المصرى اليوم

المصرى اليوم

  • منهج التاريخ: أمن قومى: لماذا؟...(1)

    شغلتنى كثيرا، ومنذ وقت مبكر، هذه السجالات الحدية حول أى فترات التاريخ المصرى ذات قيمة. وأى تيار سياسى أكثر وطنية من باقى التيارات. وكيف يتم إسقاط فترات كاملة من التاريخ لصالح الفترة التى يتم التحيز لها.. وأذكر أن هذه النوعية من النقاشات والتى بدأت أخوضها منذ الفترة الثانوية كانت تؤدى بنا نحن «المتساجلين» إلى طريق مسدود وقطيعة بيننا. والأهم أننا كنا نستقى معلوماتنا من مصادر متناثرة غير منظمة. فلم تكن مناهج التاريخ آنذاك مصدرا يعتد به. ولم تكن هناك أماكن للتكوين الثقافى تؤمن دراسة تاريخية موضوعية ومنهجية. وأذكر أننى شخصيا عرفت أن هناك مواطنا مصريا اسمه محمد نجيب تولى رئاسة الجمهورية قبل الزعيم جمال عبدالناصر وذلك وأنا فى الصف الخامس الابتدائى من خلال نقاش عابر مع أحد الأصدقاء، وكان ذلك نهاية الستينيات.

  • منهج التاريخ: أمن قومى.. «2» : الغربة عن التاريخ.. اغتراب عن بعضنا

    «الذاكرة التاريخية القومية الواحدة» هى هدف منهج التاريخ..

    تحرص المجتمعات المتقدمة على أن تربط بين مواطنيها ـــ على اختلافهم ـــ بما يعرف برابطة المواطنة. ولعل إدراك التاريخ المشترك بينهم هو المدخل لتضفير رابطة المواطنة. فالتاريخ المشترك يتضمن: نضال هؤلاء المواطنين عبر العصور تجاه: الاستعمار، والاستبداد، والاستغلال. كما يتضمن: كيف بنوا المجد معا، وكيف لم يستسلموا للهزائم وعبروا المحن سويا. ومن خلال التذكر التاريخى يكتشفون: معالم شخصيتهم الوطنية، والقومية، والحضارية فى حالتها المركبة دون الجور على أى عنصر من العناصر المكونة للحالة المركبة.

  • منهج التاريخ: أمن قومى.. (5) تاريخ مصر: حاصل ضرب لا حاصل جمع

    كنا أشرنا فى الأسبوع الماضى إلى كتاب: «تكوين مصر»؛ لمحمد شفيق غربال، باعتباره كتابا مرجعيا وملهما وحاكما عند وضع منهج تاريخ معتمد للمصريين...فى هذا المقال نلقى الضوء على كتاب: «وحدة تاريخ مصر»- 1972؛ للمفكر والمثقف الكبير الراحل محمد العزب موسى، ففى هذا الكتاب الذى يقع فى 250 صفحة يبحر الكاتب فى تاريخ مصر عبر العصور من خلال شعبها من عدة زوايا مختلفة: تاريخية، وثقافية، وأنثروبولوجية،

  • منهج التاريخ.. أمن قومى «3» بؤس منهج التاريخ

    بدأنا منذ ثلاثة أسابيع سلسلة الحديث عن منهج التاريخ وأهميته القصوى، بل اعتباره مسألة «أمن قومى». فالوطن الذى ينسى تاريخه يتحول إلى: وطن «ضائع»؛ لا يستطيع أن يواجه الحاضر. ووطن «حائر»؛ لا يستطيع تشكيل اختياراته ومستقبله.. وفى مقالنا الثانى- أى قبل أسبوعين- كتبنا أن غربتنا عن تاريخنا، تفقدنا ذاكرتنا المشتركة: فى ماذا نجحنا، وفى ماذا أخفقنا، ولماذا، وكيف؟... ونتيجة الغربة عن التاريخ تؤدى إلى أن نغترب عن بعضنا.

  • مواطن الشبكة...

    (1) يمكن اعتبار منتصف التسعينيات نقطة تحول تاريخية فارقة فى تاريخ البشرية. إنه ميلاد زمن «جوجوول»...فلقد أسست «جوجل» لزمن جديد على كل المستويات: اقتصاديا، واجتماعيا، وسياسيا، وثقافيا ومعرفيا. وبحسب أحد الباحثين: «باتت جوجل قوة عظيمة، بل قوة عظمى. إن تاريخ البشرية لم يشهد، مطلقا، مؤسسة تمارس بمفردها الفاعلية والتأثير اللذين تمارسهما جوجل»...ليست «جوجل» تكنولوجيا جديدة مضافة إلى ما سبقها من تكنولوجيات. وإنما هى فى ذاتها أصبحت تمثل «دنيا» جديدة لإنسان اليوم...

  • موقعة الأسطول «الحرية».. والصراع على الإقليم

    هل هى صدفة أن تقوم حرب يوليو/ تموز 2006 مكرسة ‏الحضور الإيرانى فى المنطقة فى ظل صمت تركى.. وأن ‏تقوم الحرب على غزة 2009 فى ظل حضور تركى وصمت ‏إيرانى.. ويتم تبادل الأدوار فى أكثر من موقف، فى ظل ‏التراجع العربى.. إلى أن وصلنا إلى موقعة الأسطول ‏‏«الحرية‎». ‎

  • مياه النيل.. ثلاث إشكاليات

    تحدثنا فى الأسبوع الماضى عن أن ملف مياه النيل، بعيدا عن الأمور الفنية الدقيقة، إنما يفتح معه الكثير من الملفات بداية من الإدارة السياسية للملف، كذلك رؤيتنا الإستراتيجية ليس فقط للقضية المثارة، وإنما للقارة الأفريقية ككل.. بالإضافة إلى التعليم كمجال لتأكيد الأهمية الحيوية للنيل فى حياتنا.. كذلك السياسة الزراعية المطبقة.. والديمقراطية من زاوية تبنى الشفافية فى الإعلان عن المسكوت عنه وإشراك الناس فى تحمل سؤولياتها بتدفق المعلومات والمشاركة فى صناعة القرار.

  • نادى السينما

    (1)
    «إطلالة على العوالم السينمائية الجديدة»

    «نادى السينما»؛ إحدى أهم التجارب الثقافية فى مجال الفن السابع فى مصر. لم يكن «نادى السينما» مجرد قاعة لعرض الأفلام، وإنما تجمع فنى معرفى لمتابعة ومناقشة جديد الشاشة الفضية فى العالم: فنيًا، وصناعيًا، وتقنيًا، وثقافيًا، وفكريًا.. إلخ.

  • نبيل كامل مرقس: المثقف التنموى... (1)

    نبيل كامل مرقس (1946 ـــ )، أحد عناصر «سلسال الإبداع» المصرى «الثرية والمتجددة والحرة». «ثرية» بتجربتها المركبة متعددة المجالات.. و«متجددة» لأنها دائمة الاطلاع على جديد الفكر والممارسة فى العديد من المجالات.. ودائمة الحرص على التصويب الذاتى بكل صرامة وإخلاص. و«حرة» من قيود «المصالح الضيقة» و«التابوهات الموروثة» و«الأيديولوجيات الآسرة»..

  • نحن وأمريكا.. والحريات الدينية (1)

    أستطيع أن أتفهم الموقف المصرى الحكومى من رفض التدخل الخارجى فى الشؤون المصرية. كما أستطيع أن أتفهم هذا التراوح فى استقبال التقرير السنوى للخارجية الأمريكية عن الحرية الدينية فى العالم من الأطراف المختلفة. ولكن غير المفهوم هو أن التقرير فى وضعه الحالى فى مرحلته الثالثة- كما سنشرح لاحقاً- لا يحتاج إلى كل هذه الضجة والتغطية الموسعة فى الصحف والفضائيات، التى كان يستحقها فى وقت سابق بالفعل وليس الآن. ما الذى نقصده بذلك؟

    1- بداية، أنطلق فى كتابتى عن هذا الموضوع من واقع أننى صاحب الكتاب الوحيد- فى حدود ما أعرف- باللغة العربية (الحماية والعقاب: الغرب والمسألة الدينية فى الشرق الأوسط منذ قانون الرعاية المذهبية الصادر وقت الإمبراطورية العثمانية إلى القانون الأمريكى للحرية الدينية- 2000) الذى تعرض للقانون الأمريكى للحرية الدينية الصادر فى أكتوبر من 1998، وذلك فى القسم الثانى من الكتاب (من ص 81 إلى ص 156).

    2- والواقع أن القانون مر فى ثلاث مراحل كما يلى: المرحلة الأولى وهى المرحلة التحريضية من 1995 إلى 1998 سنة صدور القانون، حيث قادت الرابطة الوطنية للإنجيليين فى الولايات المتحدة الأمريكية حملة لاستصدار قانون أمريكى يحمى المسيحيين فى العالم من الاضطهاد وكان السودان- يلاحظ السودان- الدولة النموذج التى تستدعى عند الحديث حول الاضطهاد.

    وتعد هذه الرابطة من الكيانات المحسوبة على ما يعرف باليمين الدينى الجديد. ولم يشارك فى الحملة التيار الرئيسى من الإنجيليين مثل الكنيسة المشيخية والإنجليكانية واللوثرية والمتحدة فى المسيح.. إلخ، والمتعاطفة مع القضايا العربية التى تعانى من اليمين الدينى المتشدد فى الداخل الأمريكى. وهذه النوعية من الكيانات المتشددة تعمل من خلال المجتمع المدنى وهى التى تحالفت فى الفترة الثانية من حكم الرئيس كلينتون مع اليمين السياسى أو ما عرف بالمحافظين الجدد، وجاءت بالرئيس بوش لاحقا.

    المرحلة الثانية وهى مرحلة التدويل، وأقصد بها تدويل قانون تم صدوره من الكونجرس الأمريكى أى البرلمان الأمريكى أو فى الداخل الأمريكى لكى يتم تطبيقه خارج نطاق الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وكذلك سحب قضايا الحرية الدينية فى الدول المختلفة خارج حدودها من جهة أخرى. وبدأت هذه المرحلة من وقت صدور القانون سنة 2005. وتعد هذه المرحلة فى نظرنا هى الأخطر، لأنها فرضت من خلال التقارير والإعلام مجموعة من المصطلحات المفهومية التى عممتها، ولم تميز بين دولة وأخرى فى ذلك. وهى المفاهيم التى تلقفناها وأدرنا بها أزماتنا الداخلية.

    المرحلة الثالثة من 2005 وإلى الآن، ويمكن أن نطلق عليها المرحلة الوظيفية، حيث فقدت التقارير أهميتها إلى حد كبير. وأصبحت ترتبط بالتفاعلات الداخلية الأمريكية، ويكفى أن نشير إلى أن التقرير الأخير محل التغطية الإعلامية والصادر عن الخارجية الأمريكية صدر متأخراً شهرين عن موعده، وذلك لأسباب كثيرة، حيث باتت التقارير التى تصدر ترصد ما يحدث من واقع مصادر داخلية فى الدول موضوع البحث. وعلى الأقل هذا هو الحال فى الحالة المصرية.

    3- مما سبق كان من المفترض أن تحظى التقارير بالاهتمام فى مرحلة تدويل القانون أخذا فى الاعتبار لمن لا يعلم- وهناك من لا يعلمون ولكنهم يُدعون للحديث حول الموضوع فى الإعلام بأنواعه- أن القانون الأمريكى للحرية الدينية يقضى بتشكيل لجنة من مجموعة من الشخصيات العامة يشكلها الرئيس الأمريكى بالاشتراك مع الكونجرس لمدة معينة، ويتم التجديد للأعضاء أو تعيين آخرين.

    واللجنة ليست، بحسب البعض، حكومية أو برلمانية أو أهلية وإنما لها وضع خاص. ووفق القانون على اللجنة أن تصدر تقريرا فى مايو من كل عام، كما على الخارجية الأمريكية من خلال إدارة الديمقراطية أن تصدر تقريرا عن الحرية الدينية- غير تقريرها السنوى عن حقوق الإنسان- فى سبتمبر من كل عام. فى هذا السياق صدر أول تقرير عن أوضاع الحرية الدينية فى 9/9/1999، ومن سنة 2000 وإلى الآن صدر 22 تقريرا سنويا.

    4- بالطبع حديثى هذا لا يعنى أنه لا توجد مشاكل. ولكن دوما الخلاف هو حول كيفية التعاطى مع المشاكل. فالمدرسة الوطنية طرحت هذه المشاكل مبكرا على قاعدة المواطنة بمعنى كيف يمكن توفير الحقوق للمصريين- معا- بغض النظر عن انتماءاتهم وليس بمنح امتيازات لكل فئة على حدة، وهو ما يقترب من النموذج العثمانى/ الملى، وبتأثير الخارج الذى يخلق علاقات متوترة بين من تمت حمايته ومن تمت معاقبته.

     وهو الأمر الذى تم تسويقه من خلال القانون الأمريكى بتدويل الشأن الداخلى من ناحية، والتعامل مع المواطنين كجماعات دينية ومذهبية من ناحية أخرى.. هذا بالإضافة إلى أن التقارير بعد أن نجحت فى تسويق مفاهيمها باتت روتينية فى المرحلة الأخيرة، ولا تستدعى كل هذه الضجة.. ونستكمل حديثنا فى الأسبوع المقبل.

     
  • نحو أمريكا أكثر عدلاً واعتدالاً

    «يمكننا إنقاذ الاقتصاد، ووضع الرعاية الصحية الشاملة لأمريكا موضع التطبيق، وجعل الأمة بذلك وبالأساس أمة أكثر ديمقراطية.. نعم يمكننا ذلك».. كلمات قدم بها عالم الاقتصاد الحائز على نوبل (2008) «بول كروجمان» كتابه «ضمير شخص ليبرالى: الاقتصاد السياسى لتطور الحياة السياسية والحزبية الأمريكية»، الذى صدرت ترجمته العربية مؤخرا بقلم الخبير الاقتصادى المصرى الكبير «مجدى صبحى» عن المجلس القومى للترجمة ومركز المحروسة. ولقد اعتمد المترجم على الطبعة التى واكبت انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية (2009) والتى لم تختلف عن الطبعة الأولى التى صدرت قبل ذلك بعامين (2007) إلا أنه أضاف مقدمة قصيرة حول مستقبل أمريكا فى ظل ما يمثله «أوباما» من توجهات قادرة أن تجعلها أكثر عدلا: اقتصاديا. كذلك أكثر ديمقراطية: سياسيا. من خلال تبنى «أجندة تقدمية» تفتح آفاقا نحو «تحول درامى تقدمى» للولايات المتحدة الأمريكية.. ويؤسس «كروجمان» رؤيته على كلمتين مفتاحيتين هما: «العدالة» و«الاعتدال».. وحولهما أعاد قراءة التاريخ الأمريكى من منظور الاقتصاد السياسى. وخلص إلى ضرورة أن «تترافق المساواة فى الاقتصاد مع الاعتدال فى السياسة».

  • نريد إسقاط التوتر الدينى

    «25 يناير»، لحظة تاريخية غير مسبوقة فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر: وحدت بين المصريين، وعكست أن همومهم واشتياقاتهم واحدة، وفى نفس الوقت أثبت «25 يناير» أن هناك الكثير من التوافقات بين المصريين تجعلهم يتحركون معا من أجل التغيير بالرغم من الاختلاف الدينى، فالمعاناة واحدة ولا تفرق، فالفقير المسلم شأنه شأن الفقير المسيحى، ومن ينتمون للطبقة الوسطى من أبناء الدينيين همومهم وثقافتهم واحدة، بل يمكن القول إن هناك من المسلمين والمسيحيين من استفادوا من المرحلة السابقة على 25 يناير، فالمعيار إذن ليس الانتماء الدينى، وإنما طبيعة الحضور فى البنية الاجتماعية والاقتصادية والإحساس بالمصلحة الوطنية.. وهو ما تجلى فى 25 يناير، ولكن وآه من لكن!

  • نصف قرن من العنف الدينى والسياسى:من جبانة أخميم 1970 إلى البطرسية 2016

    أفهم وأتفهم، وكتبت مبكرا، عن طبيعة الصراع الذى نشأ مطلع السبعينيات بين جماعات العنف الدينى والدولة المصرية. وكيف أن هناك ثلاث مساحات صراع مفتوحة تخوضها هذه الجماعات للنيل من الدولة الحديثة المصرية. الأولى: الأقباط. والثانية: الأجانب بشكل عام، والسياح بشكل خاص. والثالثة: المصالح الاقتصادية. إلا أن ما لا أستطيع أن أفهمه، أو أقبل تفهمه، هو اقتصار منهج التعاطى مع هذه الجماعات فى الإطار الأمنى دون غيره، على أهميته القصوى. خاصة فى العمليات التى تجرى فى داخل الوطن. لأن ما يجرى على حدودنا يتكفل به جيشنا الوطنى بكل حسم. إلا أن نمطية وبيروقراطية التعاطى مع عمليات الداخل قد سمحت باستمرار وتجدد هذه الموجات على مدى نصف قرن تقريبا من 1970 إلى يومنا هذا، خاصة الموجه إلى الأقباط. أخذا فى الاعتبار أن الخمسين عاما السابقة على سنة 1970، وتحديدا ما بين 1919 و1969 لم تشهد مصر خلال هذه الفترة إلا واقعتى عنف دينى. الأولى: قبل 1952. والثانية بعدها. فيما عرف بكنيستى الزقازيق والسويس.

    (2)

    وهنا علينا أن نبحث عن الأسباب. ما الذى كثف عمليات العنف وجعلها ظاهرة ممتدة وحصيلتها مستمرة تقترب من الـ400 عملية عنف دينى تم توجيهها، على مدى نصف قرن تقريبا، إلى الأقباط فى مواقع حياتهم من جهة. وإلى الكنائس من جهة أخرى. أخذا فى الاعتبار أننا قمنا بدراسة مطولة لتعريف وتصنيف وتحديد طبيعة عمليات العنف وتحديد أسبابها. (أقول هذه الملاحظة لأن هناك وقائع ذات طبيعة جنائية أو مجتمعية تحولت إلى دينية بفعل المناخ العام أو ظروف معينة ترتبط بأسباب عدة. وهذه الوقائع أخرجناها من العمليات الأربعمائة التى ذكرناها). ودون الدخول فى تفاصيل تناولناها كثيرا فى كتبنا ومقالاتنا، أنا وغيرى. نشير إلى عدة أمور ساهمت فى استمرارية الأحداث. الأول: هو القبول ـــ ببساطة ـــ بانطلاق فتاوى تعيد النظر فى الوضع القانونى للمصريين من غير المسلمين. الثانى: النظر إلى الأقباط كطائفة/ جماعة دينية، والتعامل مع الأقباط عبر القيادة الدينية بمنطق نظام الملة العثمانى. وقد تم إطلاق هذه الممارسة فى الفترة السبعينية. وباتت حقيقة ثابتة مع امتدادات هذه الفترة. ولم تتحرر مصر ـــ نسبيا ـــ منها إلا بعد 25 يناير مع انفراجة المجال العام ببعديه: السياسى والمدنى. ومن ثم حضور الأقباط بصفتهم المواطنية فى هذين المجالين. إلا أن البيروقراطية عادت إلى نهجها القديم. فى ظل مظلة دينية فقهية متشددة مطلوب.. كيف؟.

    (3)

    القبول بانتشار فقه متشدد مضاد للأقباط يقول أولا: بتكفير القباط، وثانيا: بعدم جواز بناء الكنائس، وثالثا: عدم حق الأقباط بتولى مناصب الولاية العامة. ليس فقط المناصب العامة وإنما لما هو دونها مثل: مناصب مديرى المدارس. ورابعا: عدم التعييد على الأقباط فى أعيادهم. وواكب ذلك الاستجابة العملية لهذه الفتاوى. ما يدفع بتبرير العنف تجاه الأقباط فى النهاية.

    (4)

    وندلل على ما سبق بقبول السلفيين على مضض بقانون بناء الكنائس ولكن بوجود نص يؤكد على أن الأقباط طائفة. كما يقنن الشروط العشرة المنسوبة تاريخيا للعزبى باشا التى تتحكم فى بناء الكنائس. وهى الشروط التى صدرت فى ظل دستور إسماعيل صدقى باشا الاستبدادى. خاصة أنهم يعرقلون البناء فى الواقع. كما أوجدوا مرجعية ما للدولة العثمانية التى تمردت عليها مصر محمد على من خلال مسار تاريخى: سياسى، وقانونى مختلف.(ولن أشير لما ورد فى الدستور فى إطار صفقة حول دينية الدولة لا مدنيتها فلقد ناقشته فى حينها). كذلك قبول الإدارة التعليمية بالتراجع عن تعيين سيدة مديرة مدرسة لعدم شرعية ذلك. ولم يعد أمام البيروقراطية إلا أن تعيد التكنيكات القديمة من شراكة مع الكيان الدينى فى إدارة الأقباط وخاصة شبابهم. وهو وضع يعيد تقسيم المجتمع على أساس دينى. ولعل هذا جل ما تريده جماعات العنف لأنه ييسر تحقيق مشروعها على أشلاء المصريين.

    (5)

    لم تتنبه البيروقراطية إلى ما فعله الرئيس من مواقف تاريخية غير مسبوقة من أولا: تعييد على الأقباط ـــ كمواطنين ــــ فى عيدهم بالذهاب إلى مكان عبادتهم. ثانيا: الاعتذار إلى سيدة المنيا العجوز. ثالثا: ترتيب جنازة عسكرية لشهداء البطرسية. فتستجيب لهذه الممارسات عمليا على أرض الواقع. ما يضعف مصر الوطن/الدولة أمام كل محاولات تغيير طبيعتها الحضارية المركبة التى تقوم على التعددية بغير خصومة مع الدين.. وأظن هذا ما تنبه إليه المصريون عقب الحادث. فمارسوا حالة تضامنية حضارية فيما بينهم لأن الخطر يتهدد الجميع. اللهم احفظ مصر الوطن بكل مكوناتها واجعل الحقيقة تطل، بكل وضوح. ولا يتحول الكلام الجد إلى طراطيش بحر كما يقول عمنا صلاح جاهين.. نواصل.

    ما بعد المقال:

    أعتذر عن عدم استكمال السلسلة التى بدأت فى كتابتها حول: حصاد الفكر فى 2016، الأسبوع الماضى. ونواصل كتابتها الأسبوع القادم.

  • نوعية وعدد الكتب

    كنت أقوم بمراجعة كتابى: «الإمبراطورية الأمريكية: ثلاثية الثروة والدين والقوة»، الصادر فى عام 2003. وذلك لتحديثه وتطويره وإضافة ما استجد من تحولات على القوة الأمريكية التى كانت تقدم نفسها فى نهاية القرن الفائت على أنها «قوة عظمى وحيدة» (Lonely Super Power). ثم إمبراطورية العالم الجديد خاصة عقب حدث سبتمبر 2001 الكارثى. ولكنها ما فتئت تتراجع عن ذلك لسببين هما: الأول: الأزمة المالية الأكبر فى التاريخ. الثانى: الصعود البارز للقوى الصاعدة الجديدة: الصين، والهند، وروسيا... إلخ. وتيقن الإدارة البوشية فى دورتها الثانية وحليفها الرئيسى: «المحافظون الجدد»، ومن خلفهما ما يعرف بـ«المجمع العسكرى الصناعى التكنولوجى» باستحالة الإدارة الإمبراطورية للكوكب. ومن ثم حدث التراجع «الكبير»: «الواقعى الاجتماعى الأوبامى» أولا. «فالبراجماتى الرأسمالى الترامبى» ثانيا..

    (2)

    عمل أوباما على معالجة الآثار السلبية للأزمة المالية وعينه على الطبقة الوسطى الأمريكية، وفى القلب منها جيل الشباب، باعتبارها القاعدة الاجتماعية التى جاءت به إلى سدة الحكم ونجح فى ذلك إلى حد كبير. ولعل «أوباما كير» يعد إنجازًا تاريخيًا غير مسبوق فى تاريخ أمريكا بحسب كثير من المصادر.. أما الثانى فيحاول أن ينعش أمريكا «الكاوبوى» الجديد مستعيدًا مبدأ مونرو الذى يرى أمريكا اللاتينية «حديقة خلفية» للولايات المتحدة الأمريكية. ويوسع من المسافة بينه وبين أوروبا، ورافعا حدة التوتر بينه وبين الصين وغيرها فيما يعزز «النزعة القومية الأمريكية الداعمة لمصالح الشركات الأمريكية». ما دفع كثيرين إلى وصفه بأنه ممثل الشركات فى سدة الحكم الأمريكى. ومن هنا جاءت الخلافات المتتالية بينه وبين موظفى إدارته ما دفعهم إلى الاستقالة من جهة. كذلك الظهور العلنى للتباين فى وجهات النظر بين مؤسسات الدولة الأمريكية أو ما يعرف فى الأدبيات «بالدولة العميقة»..

    (3)

    لم تزل التفاعلات جارية فى ظل الإدارة «الترامبية» المثيرة للجدل والإزعاج فى آن واحد. إلا أن ما يهمنى المشاركة به هو «عدد» و«نوعية» الكتب التى تقارب كلًا من أوباما وإدارته من جانب وترامب وإدارته من جانب آخر. حيث تعكس فى واقع الأمر الفرق النوعى بين الرجلين، بغض النظر عن الموقف السياسى الخاص والتحيزات الاجتماعية لأى منا..

    فمن حيث العدد يمكن أن نشير إلى أنه صدر ما يزيد على 250 كتابًا عن أوباما خلال الأعوام الخمسة الماضية ولاتزال. أما ترامب فعدد الكتب التى صدرت حوله منذ أعلن ترشحه، أى منذ ثلاث سنوات تقريبا لم تزد على 40 كتابا.. بالطبع الأعداد مهمة ودالة. إلا أن ما يزيد من أهمية الكتب ودلالاتها الرمزية هو نوعية المقاربات للرجلين وهو ما توقفت عنه كثيرا..

  • نيرودا: فيلم «بديع» عن الانتصار للحرية

    ’’قلبى (كياني) فى هذا النضال.. شعبى سينتصر... جميع الشعوب: ستنتصر، شعبا فشعبا.

    هذه الآلام ستُعتصر مثل مناديل...إلى أن تقطر كل الدموع المراقة

    فى حُفَرِ الصحراء، فى القبور، على أدراج العذاب البشرى.

    لكن زمان النصر قريب...‘‘

  • هتاف المواطنين

    (1)

    هتافات المواطنين، فى كل زمان ومكان، تعد مرآة عاكسة للواقع وما آل إليه.. ليست الهتافات مجرد شعارات موزونة ومقفاة.. وإنما هى «قطرات دماء تتفاعل فى داخل المواطنين، وتسرى فى العروق والشرايين، وتنطلق عبر الحناجر والأفواه، لتعبر عما بداخلهم من معاناة إنسانية ومجتمعية من جراء الإهمال والنسيان والإقصاء والظلم والقهر».. تخرج الهتافات لتتلقفها الجموع وترددها، دون النظر إلى من صاغها أو أول من رددها، ذلك لأنها بمجرد أن يتم ترديدها معبرة عن تطلعات الملايين من المواطنين تصبح ملكا لهؤلاء الملايين،

  • هل حسمت الطبقة الوسطى أمرها؟

    (1)

    هل تذكرون الفيلم البديع «سواق الأتوبيس»، للعبقرى عاطف الطيب، والذى مثله الكبير جدا نور الشريف، حيث تقوم عقدة الفيلم على أنه فى اللحظة التى كان البطل ورفاقه يحاربون من أجل استرداد الأرض، كان هناك من يكوّن الثروات الطائلة وينهب الحقوق على حساب المصلحة العامة.. وكانت ورشة النجارة التى «خيرها» على الكل، النموذج الذى يريد هؤلاء المضاربون أن يختطفوه بشكل منهجى، فقد تم رهنها لسد ما تراكم عليها من ديون بشكل مخطط.. وكانت لحظة اختيار وحسم.. فالخصم قد تحدد وعليه لابد أن يستنفر البطل ورفاقه من أجل إنقاذ الورشة، وعليه حسموا أمرهم وقرروا أن يستمروا فى النضال. ومثلما حرروا الأرض من العدو الخارجى، فإن عليهم أن يحرروا البلاد من العدو الداخلى.. وهى «تيمة» تناولها كثير من المبدعين منهم: بريخت فى عمله المسرحى «طبول فى الليل».

  • هل حقًا كان «برتران بادي» في القاهرة؟

    خبر صغير قرأته ظهر أحد أيام الأسبوع الماضى بأن عالم الاجتماع السياسى الفرنسى البروفيسور برتران بادى (1950 ــ )، سيلقى محاضرة عصر هذا اليوم بدعوة من إحدى الجامعات فى القاهرة. وتضايقت كثيرا، لأنه نظرا لضيق الوقت لن أتمكن من حضور هذا اللقاء الهام. وصبرت نفسى بأنه طالما أن «برتران بادى» فى القاهرة، فمن المؤكد أن الجهات الأكاديمية المختلفة سوف تنتهز الفرصة وتدعوه للحديث لديها ومن ثم تتاح لى فرصة الاستماع إليه وما تتضمنه جعبته الفكرية. وبقيت لأيام أتابع احتمالية أن تكون «لبادي» محاضرة هنا أو هناك فلم أجد. كما انتظرت أن أجد صدى لمحاضرته فى أى موقع إعلامى فلم أجد.. وأخذت أسأل أصدقائى عن محاضرة «برتران بادى»: من حضرها؟ ومن قرأ عنها؟...فأجمع كل من سألتهم أنهم لا يعرفون شيئا عن زيارة الرجل... والبعض لا يعرفه أصلا!... فأسقط فى يدى...

  • هل هى مرحلة جديدة من مراحل التوتر الدينى؟

    (1) منذ نهاية العام الماضى وأنا أستشعر محاولات لتأجيج التوترات الدينية بين المصريين. من هذه المحاولات نرصد ما يلى: إثارة النقاش حول شرعية المعايدة على غير المسلمين من عدمها. وتجدد وقائع تتعلق بما يطلق عليه «التهجير القسرى» لبعض العائلات من قرى صعيد مصر. وأخيرا التراجع عن تعيين سيدة مديرة لإحدى المدارس، ليس لانعدام كفاءتها أو قدراتها، وإنما بسبب انتمائها الدينى… إلخ. وهى كلها محاولات تعود بنا إلى زمن «النزاع الدينى» الذى بدأ فى 1970 وامتد لأربعة عقود، كما توحى وكأننا بصدد مرحلة جديدة من مراحل هذا النزاع الذى تكون من أربع مراحل.. فبداية من واقعة أخميم نهاية 1970 إلى مجزرة الإسكندرية مطلع 2011،

  • واجب «النواة الصلبة» الوطنى- المقدس: حماية مصر

    تعكس ردود الأفعال الأولية على جريمة الإسكندرية، أن الغضب والألم والإحساس بحجم الخسارة والمصاب لم يفرق بين المصريين من المسيحيين والمسلمين، وأن المبادرات التى تتوالى من قبل الكثيرين تعبر عن أن النواة الصلبة لمصر- الوطن، من المصريين قادرة على التصدى لكل ما يتهددها.