منهج التاريخ: أمن قومى.. «2» : الغربة عن التاريخ.. اغتراب عن بعضنا

«الذاكرة التاريخية القومية الواحدة» هى هدف منهج التاريخ..

تحرص المجتمعات المتقدمة على أن تربط بين مواطنيها ـــ على اختلافهم ـــ بما يعرف برابطة المواطنة. ولعل إدراك التاريخ المشترك بينهم هو المدخل لتضفير رابطة المواطنة. فالتاريخ المشترك يتضمن: نضال هؤلاء المواطنين عبر العصور تجاه: الاستعمار، والاستبداد، والاستغلال. كما يتضمن: كيف بنوا المجد معا، وكيف لم يستسلموا للهزائم وعبروا المحن سويا. ومن خلال التذكر التاريخى يكتشفون: معالم شخصيتهم الوطنية، والقومية، والحضارية فى حالتها المركبة دون الجور على أى عنصر من العناصر المكونة للحالة المركبة.

إن عملية اكتشاف مواطنى الحاضر لتاريخهم المشترك تجعلهم يقتربون من بعضهم البعض، ما يدعم رابطة المواطنة أكثر، فأكثر، والتقدم فى بناء المستقبل المشترك وفق الدروس المستفادة من التاريخ. ذلك لأن إدراك الذاكرة التاريخية لا يعنى مصادرة نقد بعض شخصياتها أو أحداثها، ولا يعنى عدم إعادة الاعتبار لبعض من وقائعها وأبطالها إذا ما توجب ذلك،... ،إلخ... ما يعنى أن تدريس التاريخ فى هذه الحالة لا يقوم على سرد «حواديت» أو ما شابه. وإنما يقوم على منهج موضوعى ونقدى.

(2)

«متى غاب التاريخ أو اغتربنا عنه: نتجت تواريخ متوازية.. وهنا التهديد»

إن غيبة الاهتمام بتعليم التاريخ على المستوى الوطنى، تعنى إضعاف رابطة المواطنة التى تستحضر المواطنين من دوائر الانتماء الأولى إلى الرابطة الوطنية الأوسع والأرحب. وعليه يعود المواطنون إلى دوائر الانتماء الأولى يلتمسون منها معرفة التاريخ. وفى هذه الحالة مهما علت درجة الموضوعية ستطرح كل دائرة تاريخها من وجهة نظرها. فالقراءة التاريخية فى هذه الحالة قد تكون: إثنية، أو دينية، أو مذهبية، أو فئوية، أو طبقية،... ،إلخ. ومتى تعددت التواريخ فى الإطار الوطنى الواحد يعنى عمليا تعدد الأوطان والتى ستكون فى هذه الحالة «موازية».. وهنا يكمن الخطر. وتكثر التهديدات من الداخل.. فكل وطن من هذه الأوطان الموازية سينتج ذاكرة تاريخية ما «أمجدها» لدى المنتمين إليه. والنتيجة أن كل فئة نوعية متماثلة سترى أنها تحمل التاريخ الصحيح والدقيق. وأنها صنعته وحدها دون شراكة مع الآخرين.. وعليه يكون التهديد الحتمى: «الصدام».. لذا لا نبالغ أن منهج التاريخ هو «أمن قومى»؛ بكل المعايير..

(3)

«التاريخ الوطنى الجامع» مهمة وطنية..

هناك ضرورة قصوى إلى الانشغال بإعداد منهج تاريخ وطنى جامع لكل المصريين. وطنى: يعنى أنه يمثل كل ألوان الطيف المصرى. فيجد كل مصرى نفسه فى التاريخ دون إهمال أو إقصاء. وجامع: يعكس الشراكة التاريخية التى تمت بين المصريين، على مدى العصور، بتجلياتها النضالية المتنوعة. كيف قاوموا، وثاروا، وحاربوا، وبنوا، وأنتجوا ثقافة، وصناعة، وزرعوا، وأداروا المياه،... إلخ، «معا»... إنه تاريخ الحياة المشتركة.. أو تاريخ الشراكة الوطنية بين المصريين..

(4)

«المعرفة التاريخية أحد الأسلحة لمقاومة العنف المجتمعى بأنواعه».

هكذا تتحقق مهام منهج التاريخ. والتى يمكن أن نوجزها فى أولا: تجيبنا عن سؤال الهوية. أخذا فى الاعتبار أنها متجددة وليست ساكنة. وأنها مركبة تتضمن عناصر عدة: مصرية قديمة، وقبطية، وإسلامية، وحديثة. وبغض النظر عن الأوزان النسبية فإن كل العناصر ضرورية ولها حضورها فى الشخصية القومية المصرية. لذا لأن «الوحدة والتنوع» من أهم ما يميز الشخصية المصرية. وثانيا: الرصد والتأصيل لتاريخ ثرى بالفعل. ممتد عبر آلاف السنين. لم يتوقف فيه المصريون عن الحركة/ النضال (المواطنة) من أجل حياة أفضل. منذ أول ثورة على الإقطاع فى العصر الفرعونى (فى أعقاب الأسرة السادسة، أى حوالى عام 2280 ق.م.) إلى يومنا هذا. وثالثا: تأسيس مرجعية تاريخية واحدة موضوعية يرضى عنها المصريون.. تؤمن عدم اغترابهم عن بعضهم.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern