هل حقًا كان «برتران بادي» في القاهرة؟

خبر صغير قرأته ظهر أحد أيام الأسبوع الماضى بأن عالم الاجتماع السياسى الفرنسى البروفيسور برتران بادى (1950 ــ )، سيلقى محاضرة عصر هذا اليوم بدعوة من إحدى الجامعات فى القاهرة. وتضايقت كثيرا، لأنه نظرا لضيق الوقت لن أتمكن من حضور هذا اللقاء الهام. وصبرت نفسى بأنه طالما أن «برتران بادى» فى القاهرة، فمن المؤكد أن الجهات الأكاديمية المختلفة سوف تنتهز الفرصة وتدعوه للحديث لديها ومن ثم تتاح لى فرصة الاستماع إليه وما تتضمنه جعبته الفكرية. وبقيت لأيام أتابع احتمالية أن تكون «لبادي» محاضرة هنا أو هناك فلم أجد. كما انتظرت أن أجد صدى لمحاضرته فى أى موقع إعلامى فلم أجد.. وأخذت أسأل أصدقائى عن محاضرة «برتران بادى»: من حضرها؟ ومن قرأ عنها؟...فأجمع كل من سألتهم أنهم لا يعرفون شيئا عن زيارة الرجل... والبعض لا يعرفه أصلا!... فأسقط فى يدى...

(2)

«برتران بادى»؛ ليس أستاذا نمطيا أو عابرا وإنما هو أحد أهم أساتذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية المعاصرين. ومن القلائل الذين يتابعون ما يحدث فى الكوكب حيث يشرف على تقرير سنوى عن «أوضاع العالم» خلال عام تقوم بترجمته إلى العربية «مؤسسة الفكر العربى» منذ أكثر من عشرة أعوام. وله مؤلفات مرجعية عرف القارئ العربى بها الأستاذ «لطيف فرج» من خلال ترجمته لكتبه: «الدولتان: السلطة والمجتمع فى الغرب وفى بلاد الإسلام» (دار الفكر للدراسات ــ 1992). و«الدولة المستوردة: تغريب النظام السياسي» (كتاب العالم الثالث ــ 1996). و«عالم بلا سيادة: الدول بين المراوغة والمسئولية» (مكتبة الشروق ــ 2001). كذلك الأستاذة سوزان خليل التى ترجمت كتابه العمدة «انقلاب العمدة: سوسويولوجيا المسرح الدولى» (كتاب العالم الثالث ــ 1998)... وقد عرفتنى هذه الكتب على عالم هذا الرجل المبدع. ودفعتنى لإحضار كتابه المبكر «سوسويولوجيا الدولة». ومتابعة كل ما يكتب وصولا لكتاب: «زمن المذلولين: باثولوجيا العلاقات الدولية» (2012). وأخيرا كتاباه الأخيران اللذان ترجما للإنجليزية: أولا: «دبلوماسية التواطؤ» (2012). وثانيا: «رؤى جديدة للنظام الدولى» (2019)... ولا يفوتنى أن أشير إلى عمله الموسوعى المرجعى «دائرة المعارف الدولية فى العلوم السياسية» (المترجم إلى الإنجليزية فى 2011)، والتى تقع فى 4000 صفحة.

(3)

وأظن أن القراءة الأولية للعناوين تشير إلى أهمية ما قاربه الرجل من موضوعات. والأكيد أن من سيسعى لقراءة أعماله لن يندم. حيث كتاباته تعكس ثقافة موسوعية ومتابعة دؤوب وابتكار لافت للمصطلحات وتربيط عبقرى بين عناصر ما يعالجه من قضايا ومن ثم ما يتوصل إليه من نتائج.. وأذكر أننى استخدمت فى دراسة مبكرة عنوانها: «مشاركة الشباب القبطى فى الحياة السياسية بين المحددات العامة والإشكاليات الخاصة ــ 1992؛ تعبير «تديين المجتمع» كمعوق للمشاركة (ضمنتها فى أول كتبى: «الحماية والعقاب: الغرب والمسألة الدينية فى الشرق الأوسط ــ 2000). وكان تعبيرا جديدا ــ آنذاك ــ وتم الترحيب به وتداوله. وبعد أن قرأت «بادى» استلهمت منه وصفا لمسرح العلاقات الدولية هو: «إضفاء المقدس على العلاقات الدولية». حيث استحدثت تعبير «إضفاء المقدس على المجال العام» بدلا من «تديين المجتمع»... وهو من تحدث عن «التحلل تحت القومى للدول» ومنه كتبت عن «فيروس التفكيك» منذ أكثر من عقد من الزمان...كم هى ملهمة كتاباته وممتعة وتفتح آفاقا للإبداع...

(4)

إن زيارة أحد أعلام الفكر العالمى، كانت، فرصة للتعرف على جيل جديد من المفكرين فى أوروبا ــ قد نتفق معهم أو نختلف ــ من الذين يمثلون «طرقا» و«طرائق» جديدة فى التفكير والمقاربات للقضايا والإشكاليات متحررة من «الكليشيهات الاجترارية» التى دأبنا عليها فى تحليل الظواهر وكأنها ساكنة لا يطرأ عليها أى تغيير. وفرصة لتجديد الروح العلمية والمعرفية، وتضييق الفجوة المعرفية بيننا وبين الآخرين التى أحسبها تتجاوز الأربع موجات معرفية... وتقديرا للقارئ الكريم سوف أعرض آخر كتبه فى مقالنا القادم لأهميته الشديدة.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern