موقعة الأسطول «الحرية».. والصراع على الإقليم

هل هى صدفة أن تقوم حرب يوليو/ تموز 2006 مكرسة ‏الحضور الإيرانى فى المنطقة فى ظل صمت تركى.. وأن ‏تقوم الحرب على غزة 2009 فى ظل حضور تركى وصمت ‏إيرانى.. ويتم تبادل الأدوار فى أكثر من موقف، فى ظل ‏التراجع العربى.. إلى أن وصلنا إلى موقعة الأسطول ‏‏«الحرية‎». ‎

‎(1)‎

بقدر ما كشفت إسرائيل عن استكبارها باستخدام مفرط لقوتها ‏فى مواجهة مجموعة من المدنيين استقلوا الأسطول «الحرية» ‏لفك الحصار بعض الشىء عن غزة، بقدر ما أوضحت هذه ‏الجريمة البشعة عن طبيعة المعادلة الإقليمية الجديدة وعن ‏عناصرها الفاعلة، وهو ما نحتاج إلى تأمله، واختبار مدى ‏صحة هذه المعادلة من عدمها.. معادلة بدأت تأخذ طريقها فى ‏التحقق منذ سنوات خلاصتها تفكيك النظام الإقليمى العربى ‏لصالح نظام إقليمى جديد.. وذلك بحضور تركى إيرانى فى ‏المنطقة بالإضافة إلى إسرائيل كى يحل محل النظام الإقليمى ‏العربى.. كيف حدث ذلك؟

‎(2)‎

لم تتبلور هذه المعادلة بشكل مفاجئ.. وكنا قد أشرنا فى أكثر ‏من موضع كيف أن هذه المعادلة قد تم طرحها فى التقرير ‏الذى قدم إلى بوش فى مستهل ولايته الأولى، من خلال ‏التقرير المعنون «الإبحار فى مياه مضطربة» 2000، حيث ‏جاء فيه ما يلى‎: ‎

‎■ ‎إن إسرائيل هى الدولة القوية الوحيدة التى تتمتع باقتصاد ‏حداثى يمكّنها من المنافسة عالميا.. وإنها تمتلك قدرة نووية ‏فاعلة قادرة على الردع‎. ‎

‎■ ‎لن يبقى من الوحدة العربية سوى الشعار‏‎. ‎

‎■ ‎تزايد التوتر المذهبى الإسلامى المسيحى فى المنطقة‎.‎

‎■ ‎تأسيس كيان إقليمى للدول المجاورة للعراق فى طبعته ‏الأمريكية (ليس عربيا خالصا حيث يضم تركيا وربما إيران‎).‎

‎■ ‎تبنى مفهوم الشرق الأوسط واستبعاد مفهوم النظام الإقليمى ‏العربى‎.‎

‎(3)‎

إذن، كانت «المعادلة» فكرة أخذت طريقها للتحقق على أرض ‏الواقع.. ويمكن القول إن حرب يوليو/ تموز 2006، قد أدت ‏إلى حضور إيران كطرف فاعل فى اللعبة، وفى نفس الوقت‎- ‎وهنا المفارقة- تم تحييد حزب الله من خلال القرارات الدولية ‏التى بات ملتزما بها‎.. ‎وفى المقابل كان الصمت التركى.. ولم ‏تمر سنة حتى اشتعلت الحرب على أسس مذهبية فى الداخل ‏اللبنانى‎. ‎

تم ذلك توطئة لتحقيق أهم ما جاء فى الوثيقة المذكورة ‏باعتبار: «إسرائيل وتركيا وإيران، نعم إيران، الدول الثلاث ‏الجديرة بقيادة المنطقة لأنها تمتلك نظما سياسية هى الأكثر ‏حيوية وديناميكية وفاعلية فى المنطقة‎».‎

‎(4)‎

وبعد ثلاث سنوات أصبحت تركيا نتيجة الحرب على غزة ‏حاضرة بقوة فى اللعبة الإقليمية.. بعد أن هددت سوريا بحرب ‏بسبب المياه لولا الامتصاص المصرى للأزمة‎.. ‎وذلك فى ظل ‏صمت إيرانى.. وهكذا أخذ النظام الإقليمى العربى فى التحلل ‏خطوة خطوة، لصالح النظام الشرق أوسطى، وفى القلب منه ‏إسرائيل مع تركيا وإيران كدول لها أدوار فى النظام الإقليمى ‏الجديد وفق مصالح استراتيجية أكبر‎. ‎

‎(5)‎

من هنا نستطيع فهم التراوح فى ردود الفعل بين الصمت ‏الإيرانى، والارتباك العربى، وردود الفعل العالمية التى ‏انصبت على قانونية الفعلة الإسرائيلية خارج المياه الإقليمية أو ‏ما شابه، مع حدوث صدمة لدى البعض.. ما يدعم إسرائيل ‏باعتبارها الركيزة الأولى لضمان الأمن الإقليمى.. وكفالة ‏تفوقها النوعى.. والسماح بحضور قوى لا تعتبر ‏‎«‎أطرافا» ‏صراعية أصيلة مع إسرائيل مثل تركيا وإيران.. فتركيا لها ‏مصالح معقدة مع إسرائيل عسكرية واقتصادية، قد تغضب مما ‏حدث للأسطول «الحرية» تماما مثل ما حدث فى دافوس ‏عندما غضب أردوجان من بيريز ولكن هذا لم يمنع من ‏تواصل العلاقة.. وإيران يمكن أن تناور على مستويات عدة ‏مقابل تحسين موقفها التفاوضى.. والمحصلة استبدال منظومة ‏إقليمية بأخرى‎. ‎

‎(6)‎

الخلاصة، تقول الخبرة إن الحضور الإيرانى لم يستطع إلا أن ‏يدفع بالصراع المذهبى إلى المشهد السياسى وتحييد قواه ‏الراديكالية على عكس توقعات الكثيرين.. كما أن الحضور ‏التركى قد يحقق بعض المكاسب الإنسانية للفلسطينيين ولكنه ‏سيلتزم بمصالحه العليا التى ترتبط بالاتحاد الأوروبى والغرب ‏فى المقام الأول، والتى تميل فيها الكفة لصالح الرؤية ‏العسكرية على نموذجه الديمقراطى الحضارى.. وعليه إما ‏يحدث توافق بين أطراف المنظومة الجديدة أو تترك إسرائيل ‏الصراع بين الفرس والعثمانيين.. وفى الحالتين تضيع القضية ‏الرئيسية ولن يفلت أحد من التداعيات‏‎.‎

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern