نبيل كامل مرقس (1946 ـــ )، أحد عناصر «سلسال الإبداع» المصرى «الثرية والمتجددة والحرة». «ثرية» بتجربتها المركبة متعددة المجالات.. و«متجددة» لأنها دائمة الاطلاع على جديد الفكر والممارسة فى العديد من المجالات.. ودائمة الحرص على التصويب الذاتى بكل صرامة وإخلاص. و«حرة» من قيود «المصالح الضيقة» و«التابوهات الموروثة» و«الأيديولوجيات الآسرة»..
(2)
هو محصلة تفاعل مبدع متعدد التجليات: أولا: التجلى المدنى العام- كمهندس- فى «هيئة كهرباء الريف» فى إطار المشروعات المكملة لمشروع السد العالى، بمد خطوط الضغط العالى إلى منطقة الوجه البحرى (1966 ــ 1968). والعمل مع قيادات هندسية بشركة مختار إبراهيم تتسم بالالتزام الاجتماعى مثل: محمود المستكاوى، وعباس إبراهيم، وحسن صدقى، وإبراهيم المانسترلى. مهندسون لهم رؤية اجتماعية (ربما يكون لنا حديث لاحق حول هذا الموضوع). وثانيا: مشاركته فى جيش مصر الوطنى فى مرحلة إعادة البناء أو ما عرف بمرحلة حرب الاستنزاف فى «إنشاء قواعد الدفاع الجوى لصواريخ سام» على أسس هندسية حديثة (1968 ــ1970)، ثم «بناء رؤوس الكبارى التى كانت قاعدة العبور العظيم إلى سيناء» المصرية الحبيبة دوما (1970 ــ 1973). وهى الفترة التى تعرف فيها على جيل من المهندسين العظام مثل: الاستشارى المخضرم منير عياد الذى تتلمذ على يد جيل الرواد وشارك فى بناء قواعد الصواريخ أيضا. وأخيرا المشاركة العملية فى حرب أكتوبر فى الفرقة الثانية تحت قيادة اللواء حسن أبوسعدة. وثالثا: سفره فى منحة للاتحاد السوفيتى (1975) مرسلا من هيئة كهرباء الريف وتمكنه من الاطلاع على التجربة السوفيتية ونقده المبكر لها. رابعا: عودته إلى مصر والتحاقه بمعهد التخطيط المصرى فى 1975 وحصوله على دبلوم التنمية وإنجازه لدراسة رائدة عن «النوبة». وخامسا: سفره إلى إنجلترا للحصول على ماجستير التنمية من كمبريدج عن أطروحة رائدة عنوانها: «هيكلة وتنظيم العلم والتكنولوجيا» (1978 ــ 1981) وهى الفترة التى التقى فيها صديقنا المشترك زعيم حركة الطلبة فى السبعينيات أحمد عبدالله رزة وهو يدرس بنفس الجامعة. كما انفتح فيها على الأفكار الجديدة فى أوروبا واليسار الجديد.
(3)
عاد نبيل كامل مرقس حاملا كل هذه الخبرات ليخوض تجربة بحثية ميدانية لدراسة «ظاهرة غير تقليدية بإحدى مناطق الإسكان الشعبى بحى شبرا. حيث تمكن أهالى منطقة إسكان محيى بالخلفاوى اعتمادا على جهودهم الذاتية وبدون تدخل فعلى من الأجهزة الحكومية المسؤولة، من تنظيف المساحات الفضاء التى تقع بين البلوكات السكنية فى منطقتهم من البرك والمستنقعات التى خلفتها مياه الصرف الصحى، وقاموا بعد حرثها وتجهيزها بزراعتها على هيئة حدائق زينة مخططة ومنسقة فى أشكال هندسية جميلة». مقدما «نموذجا مغايرا للملامح التقليدية المميزة لمناطق الإسكان الشعبى فى مصر».. فتكون فريق بحثى كان من ضمنه نبيل كامل مرقس لدراسة هذه الظاهرة.. إلا أن الأمر تجاوز كثيرا دراسة الظاهرة فى صورتها المباشرة إلى دراسة التحيزات والتخوفات الفكرية لأعضاء الفريق البحثى ومدى تأثيرها على بلورة رؤاهم وأفكارهم. وإطلاق أحكام ظاهرية ومتعسفة على الواقع والناس على المستوى القاعدى.. والأهم فتحت أفقا حول «العملية الفكرية والذهنية» التى يمارسها الباحث ومدى «انغلاقها أو انفتاحها» على الواقع الذى يتم بحثه. وعلى المواطنين/ الناس الذين هم الفاعلون الحقيقيون فى الواقع.. ومن ثم ظهر السؤال هل يصح أن يكون الباحث «غريبا أو ضيفا أو خواجة» منبت الصلة عن الواقع وأصحابه. أم لابد للباحث أن «يعيش فى علاقة حوار وتعايش وانفتاح حقيقى على الظاهرة الاجتماعية بعناصرها البشرية»..
(4)
فى هذا السياق استطاع نبيل كامل مرقس أن يؤسس من خلال الحوار الحى الخلاق مع زملائه من الباحثين أولا، ثم كمنهج تبناه فى نشاطاته اللاحقة ما أطلق عليه نهج «الحوار الثقافى الحى الخلاق»، حيث لا رؤية تنموية يمكن أن تتحقق ما لم تخضع لهذه العملية المركبة..