الشروق

الشروق

  • عن المستقبل .. دولة الرفاهة التنموية

    مرة أخرى نحاول التطلع للمستقبل، ففى حديثنا السابق تحدثنا عن المواطنة، وأكدنا على أن المواطنة التى يجب أن نعمل على تحقيقها مواطنة ترتبط باقتصاد إنتاجى وتتجسد من خلال المساواة والمشاركة ومنظومة حقوق وتقاسم الثروة العامة للبلاد.

    وهو تصور يتجاوز الدستورى والقانونى إلى الاجتماعى والاقتصادى، كما يتجاوز التعريفات الحصرية كربط المواطنة بالانتماء وهو ما يعرف بالمواطنة فى بعدها الشعورى دون غيرها.

  • عن المواطنة والمستقبل

    مع نهاية العام أجدنى منشغلا بوضعية «المواطن المصرى»، وإلى أى حد يمكن أن تكون المواطنة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية قد توافرت لهذا المواطن. لقد كانت 2010 سنة صعبة ولاشك على صُعدٍ كثيرة. فلقد بدأت السنة بجريمة نجع حمادى، كما فُتح الملف الاقتصادى واتفق الاقتصاديون باختلاف توجهاتهم على أن معدلات النمو التى تبدو مُرضية لدى البعض قد خاصمت شرائح كبيرة من المواطنين. أيضا فى هذه السنة واجهنا سؤال الهوية والحرية الدينية على خلفية التوترات الدينية.

  • فـن حقيقـى من دم ولحم

    من الملاحظات المهمة التى سجلها الموسوعى الكبير لويس عوض، فى معرض حديثه عن الأدب والفن فى فترات الأزمة والتدهور هو وجود «فن/أدب قديم لا يريد أن يموت، وجديد لا يستطيع أن يولد».. فأنصار القديم يستميتون بكل ما لديهم من سطوة مالية وتنظيمية فى استمرار ما هو قائم لأسباب تتعلق بالمصالح من جهة، كذلك عدم قدرتهم على فهم المستجدات وأن مضمون الحياة يتغير من تحتهم ومن حولهم بسرعة تتجاوز قدرتهم على التطور من جهة أخرى.. ولأن هناك واقعا جديدا يتبلور قوامه كتلة شبابية تقع تحت سن الخامسة والعشرين تصل إلى نصف المجتمع وجدناهم يعبرون عن أنفسهم بإبداع وكانت مادة فنهم حياتهم نفسها.

  • فاعلية الشباب بين المجالين الرقمى والعام

    كثر الحديث على أكثر من مستوى فى الآونة الأخيرة عن دور الوسائل الإعلامية الجديدة ودورها فى إحداث التغيير السياسى.. وعن مدى فاعلية الميديا الجديدة بوسائلها المتنوعة فى دعم الحركات الاحتجاجية.. خاصة أن البشرية قد شهدت نقلة نوعية فى مجال الميديا من خلال ما يمكن أن نطلق عليه ميلاد العصر الرقمى Digital Era، حيث بات كل شىء فى العالم يدار بالتكنولوجيا الرقمية، والتى تقوم على تقنية رفيعة المستوى وغاية فى التقدم،تعكس طفرة مذهلة للتقدم الإنسانى تجاوز بها إنجازات المرحلة الصناعية بأشواط.

  • فك الارتباط بالسياسات الليبرالية الجديدة.. المدخل للتغيير

    يمكن القول إن عام 2009 هو عام : نهاية النيو ليبرالية»…فعلى المستوى الفكرى كتب فوكوياما (صاحب الكتاب الأشهر نهاية التاريخ) فى يناير من العام المنصرم دراسة فى مجلة أمريكان إنترست عنوانها «نهاية الريجانية»، يعلن فيها فشل السياسات النيو ليبرالية وضرورة تجاوزها وعلاج سلبياتها.. وتوالت الدراسات والمؤتمرات التى تعيد النظر فى السياسات النيو ليبرالية…وعلى المستوى السياسى العملى نجد جوردن براون رئيس وزراء بريطانيا يقول فى 17 مارس الماضى ما نصه إن «إجماع واشنطن الذى ظل مسيطرا لمدة 40 سنة مؤيدا سياسة الأسواق الحرة فى كل مكان، قد وصل إلى نهايته» Free markets has come to an end وهو كلام أقل ما يوصف به أنه يعد انقلابا جذريا على سياسات السوق، كما أن مقولة «دعه يعمل، دعه يمر قد انقضى يومها» وانتهى زمانها Laissez –faire has had its day، إنه الكلام الذى وصفناه وقتها بأنه «بروسترويكا رأسمالية» بدرجة أو أخرى…

  • فن الخربشة.. النضال بالألوان

    عرف فن الجرافيتى مع انطلاقة 25 يناير.. إنه فن شعبى بامتياز.. تجده على الجدران والأسفلت ومن حولك فى كل مكان.. يعبر عن مكنون المواطنين من أفكار ومطالب وأمنيات وأحلام.. يعبرون عنها ببساطة وعمق فى آن واحد.. تجد كل مدارس/درجات التشكيل الفنى من خطوط وصور تصرخ بالفن عن كل ما هو مسكوت عنه فى حياتنا، وتوثق كل وقائع المرحلة الانتقالية: نجاحاتها وسقطاتها.. وتخلد وتمجد كل من سال دمه من أجل مصر جديدة.. وأكثر من ذلك.. نعرض له فى مقالنا اليوم..

  • قصة مدينتين.. عن مصر الحديثة والسلفية

    فى عام 2008 كتب بريان تيرنر ـ (أحد أهم علماء الاجتماع المعاصرين الذين اجتهدوا فى مجال أدبيات المواطنة من خلال مؤلفه المبكر» المواطنة والرأسمالية» ورئاسته لدورية معتبرة تحمل اسم «دراسات المواطنة»، وقد كان لنا شرف تعريفه إلى القارئ المصرى من خلال كتابنا المواطنة والتغيير) ــ دراسة مهمة بعنوان «قصة مدينتين» (نشرت فى كتاب Acts Of Citizenship).

  • قل «الحرب الهادئة» ولا تقل «الباردة»

    كشف تناول الكثيرين للأزمة الأوكرانية عن أمرين؛ الأول عن مدى ابتعادنا المعرفى عن جديد التحولات العالمية.. لذا عندما تصاعدت هذه الأزمة لم نجد لدينا إلا نموذج الحرب الباردة لاستعادته كى نستطيع التعاطى مع هذه الأزمة التى فاجأتنا.. أما الأمر الثانى ونتيجة استغراقنا الشديد فى الهم المحلى، فإنه عندما أدركت السلطة المصرية الراهنة ضرورة التحرك نحو روسيا فى لحظة فارقة فى تاريخنا من جهة وتاريخ المنطقة من جهة أخرى، حكم كثير من التحليلات منطق التوازن القطبى بمنطق الحرب الباردة، فلم تزل روسيا المتمثلة فى الذهن هى روسيا: الاتحاد السوفييتى، ما دلالة ذلك؟ وكيف الخروج من نفق «الكهف والانكفاء» لمواكبة العالم الجديد الآخذ فى التشكل؟

  • كأس العالم ومجموعة العشرين..

    على مدى شهر كامل انشغل الكوكب بالمنافسات الكروية لبطولة كأس العالم (من 11 /6 إلى 11 /7).. صحيح هو انشغال فى محله لأنه حدث كونى يتجاوز طبيعته الكروية إلى كثير من الأمور من حيث التنظيم وخطط اللعب الحديثة والملاعب المبهرة ذات التصميم المبدع.. بالإضافة إلى الأخطبوط الذى لم يخفق ولا مرة أثناء البطولة فى تحديد الفائز فى كل مباراة أقيمت فى البطولة.. بيد أن هذا الانشغال لم يمنع العالم من متابعة فعاليات لا تقل أهمية لأنها تتعلق بمستقبل العالم..

  • لا فرحنا بالجديـد.. ولا خجلـوا مـن القديـم

    عنوان هذا المقال مستوحى من قصيدة للشاعر برتولد بريخت عنوانها: «البحث عن الجديد والقديم».. أجدها تعبر كثيرا عن الوضع الراهن الذى يعكس لحظة فارقة تمر بها مصر.

    ويبدو لى أنه فى اللحظات الفارقة وبعد أن نكون قد استنفدنا التحليلات السياسية واتخاذ المواقف اللازمة المطلوب اتخاذها لا نجد أمامنا إلا إبداعات المبدعين نستعيدها ونعرض لها علها تفلح فيما أخفقت فيه التحليلات المنهجية والمواقف العملية. وأتذكر هنا أنه مع الانسداد السياسى الذى شهدته البلاد بسبب انتخابات 2010،  كيف استعدنا حارة نجيب محفوظ أو الأدب للتعبير عن أحوال العباد والبلاد، بعد استنفاد التحليلات السياسية أغراضها. ونشرنا آنذاك مقالنا المعنون «عن أحوالنا التى رفضتها مصر الشابة» فى 31 يناير 2011. وفى اللحظة الراهنة يبدو لى أننا نحتاج إلى استعادة الإبداع الأدبى.. لماذا وكيف؟

  • لماذا فشلنا فى الاحتفال بالمئويات؟

    كتبت فى مطلع العام 2007، أن مصر تعيش ما أطلقت عليه مرحلة «الاحتفالات المئوية».. وكنت أقصد من ذلك أنه بداية من منتصف التسعينيات وعلى مدى عقدين تقريبا سوف تحتفل مصر بالكثير من الكيانات والمؤسسات الحداثية التى تأسست قبل 100 عام.

  • ليلة رأس السنة الدموية..رسالة إلى الوطن

    لم تشأ سنة 2010 أن تودعنا دون أن تترك جرحا نافذا فى جسد الوطن. جرح جديد فى سلسلة العنف الدينى الذى عرفته مصر منذ مطلع السبعينيات واتخذ أشكالا متنوعة، تارة موجها إلى الأقباط، وتارة موجها إلى السلطة برموزها المختلفة فى مستوياتها الهيكلية المختلفة، وتارة ثالثة ضد الأجانب، وتارة رابعة ضد المواطنين فى العموم.وفى بعض الأحيان كان العنف يستهدف كل ما سبق معا فى أوقات متزامنة. بيد أن حصار العنف منذ سنة 1997، لم يمنع من تكرار هذه الأحداث مرات قليلة منذ ذلك التاريخ وإلى ما قبل عامين. إلى هذا الوقت كان مصدر العنف وأهدافه معروفا. وجاءت تهديدات القاعدة منذ ثلاثة شهور بعمل أعمال عنف ضد الأقباط حصرا. وأظنها كانت انعطافة، ساهم فى تداعياتها سياق داخلى ليس فى أحسن حالاته.. كيف؟

  • ما بين 25 يناير ويوليو 52

    كثيرة هى القضايا المطروحة التى تحتاج إلى نقاشات معمقة. وكثيرة هى التساؤلات التى تحتاج إلى إجابات مقنعة. فبعد 25 يناير انشغلنا بكثير من الأمور. أمور يبدو لى أن هناك من يحاول عمدا أن يشغلنا بها، مما ينتج عنه تحويل النظر عن القضايا الحقيقية. لذا نجد أن هناك ما يشبه الاتفاق العام بأن هناك حالة اقرب إلى السيولة تمر بها مصر.

  • مرحباً بالطبقة الوسطى

    أسابيع ثلاثة غيرت الكثير فى مصر. البعض يصف ما حدث بأنه ثورة، والبعض يصفه بأنه انتفاضة أو هبة. وبغض النظر عن توصيف ما حدث بدقة، فهو أمر متروك للدراسات المعمقة القادرة على فهم ما طرأ على علاقات القوة فى مصر وإلى أى مدى تأثر ومن ثم تحديد توصيف دقيق لطبيعة الحراك الشبابى الشعبى الذى رأيناه. ومهما كانت نتائج الدراسات المعمقة، فإن الأكيد أن مصر قد طالها تغيير ما، تعددت ملامحه. فبالإضافة إلى كسر حاجز الخوف وانتقال عملية التغيير إلى أن تبدأ من أسفل وليس من أعلى، وتوظيف التقنيات الرقمية لإحداث التغيير.. الخ، نجد أن من أهم ما يمكن رصده ويعد ملمحا أساسيا للمشهد النضالى الذى شهدناه خلال الأسابيع الماضية ويصعب التغافل عنه ويجب أن نرصده فى هذا المقام هو عودة الطبقة الوسطى بشرائحها إلى الحياة السياسية المصرية…

  • مسلمون وأقباط 1910 و2010: من السجال (المدنى) إلى (الدينى)

    تشير أحداث النزاع الدينى، التى زادت وتيرتها فى السنوات الأخيرة، إلى أن هناك خللا قد طال العلاقة بين المواطنين المصريين من المسلمين والمسيحيين. خلل لم يعد من المفيد معه التستر والتغطية عليه أو إغفاله والتعامى عنه.كما لا يمكن التعاطى معه عن طريق المسكنات أو التهدئة المصطنعة، أو اللقاءات الاحتفالية التى تلعب دورا امتصاصيا لتداعيات الأحداث.. ذلك لأن الخلل لم يعد طارئا أو عارضا وإنما بات مزمنا منذ أربعة عقود، ما يعنى تهديدا لوحدة الوطن وتماسكه، وهو أمر كفيل بأن يضعف مناعته ويسهل تعرضه لما أطلقنا عليه مبكرا، مرة، «فيروس التفكيك» (راجع دراستنا المعنونة «المواطنة الثقافية أو فيروس التفكيك»، التى قدمت إلى ندوة الحوار القومى/ الدينى التى نظمها مركز دراسات الوحدة العربية فى ديسمبر2007، ونشرت أعمالها 2008).. ما خطورة ذلك ودلالته؟

  • مسيحيو الشرق يواكبون تحولات المنطقة

    «.. نجتمع وفى يقيننا أن الضرورات الوجودية باتت تتطلب منا أن نتدارك ما طرأ على واقع مجتمعاتنا من تحولات سياسية ومجتمعية وثقافية تصيب عمق حضورنا وشهادتنا فى بلادنا والمنطقة بأسرها. وإننا فى ذلك نتطلع إلى استنباط طرق جديدة فى مقاربة حقائق وجودنا فى تلك المنطقة تتجاوز ما أَلِفَته الأذهان من مقولات الفقه السياسى والدينى العتيقة.. وحين نعاين المشهد الراهن.. لا بد من أن نعاين مبلغ المخاضين الحضارى والتاريخى اللذين تمر بهما المنطقة..»..

  • مسيحيو الشرق يواكبون تحولات المنطقة

    «.. نجتمع وفى يقيننا أن الضرورات الوجودية باتت تتطلب منا أن نتدارك ما طرأ على واقع مجتمعاتنا من تحولات سياسية ومجتمعية وثقافية تصيب عمق حضورنا وشهادتنا فى بلادنا والمنطقة بأسرها. وإننا فى ذلك نتطلع إلى استنباط طرق جديدة فى مقاربة حقائق وجودنا فى تلك المنطقة تتجاوز ما أَلِفَته الأذهان من مقولات الفقه السياسى والدينى العتيقة.. وحين نعاين المشهد الراهن.. لا بد من أن نعاين مبلغ المخاضين الحضارى والتاريخى اللذين تمر بهما المنطقة..»..

  • مسيحيو المنطقة.. أى مستقبل؟

    المسيحيون العرب.. قضية أصبحت تفرض نفسها علينا بإلحاح.. فلقد طرح تفجير كنيسة سيدة النجاة فى العراق الأسبوع الماضى، السؤال مجددا عن أى مستقبل ينتظر «مسيحيى المنطقة؟».. وبات من الضرورى الانشغال به من قبلنا جميعا دون استثناء، حيث لا مفر من الإجابة عنه بكل أبعاده وملابساته.. فعلى الرغم من أن هذه الإشكالية قد تم طرحها منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضى تحت عنوان كبير هو: «المسيحيون العرب والمستقبل»، من قبل مثقفين معتبرين مثل قسطنطين زريق (راجع المسيحيون العرب والمستقبل العربى مايو 1981) وكمال الصليبى، ووجيه كوثرانى ورضوان السيد وغيرهم.. إلا أنه وكعادتنا لم نلق بالا لهذه الإشكالية حتى وجدناها وقد استفحلت وصارت واقعا مؤلما.


    المشكلة أعقد من أن تكون دينية محض
    بداية نؤكد أننا ننطلق من رؤية تتجاوز الدينى إلى الاقتصادى والاجتماعى والثقافى فى رؤيتها لمشكلة مسيحيى المنطقة.. أو ما يمكن تسميتها بالرؤية «المجتمعية أو السياقية».. أو بلغة أخرى فإننا نتبع منهجية تميل إلى رؤية المشكلات فى سياقها المجتمعى.. ولقد كان قسطنطين زريق محقا عندما وضع مبكرا، إطارا للمسألة، أظنه صحيحا وصالحا إلى يومنا هذا، وذلك بقوله إن المشكلة الأساسية عندما نتكلم عن مسيحيى المنطقة ومستقبلهم ليست بين «المسيحية والإسلام، ولا بين المسيحيين والمسلمين بصفة مطلقة، وإنما بين الرجعيين والتحرريين، فى هذا الجانب أو ذاك. وتتعقد هذه المشكلة، ويسود وجه المستقبل ويشتد خطره كلما قويت قوى الرجعية فى أحد الجانبين أو فيهما معا. وعلى العكس تهون المشكلة ويخف الخطر ويزهو وجه المستقبل كلما قويت التحررية فى أحد الجانبين أو فيهما معا».

    بهذا المعنى لا يمكن أن نحيل سبب الغياب المسيحى إلى سبب وحيد فهناك من يرجع المسألة إلى:
    تصاعد حركات الإسلام السياسى التى أعادت النظر فى الوضع القانونى لغير المسلمين، والتى باتت تستخدم العنف المادى فى ضوء ذلك، وهناك من يحيل الأمر إلى:
    فعل النظم الشمولية وتعثر ترسيخ مفهوم المواطنة التى تعنى المساواة الكاملة والانسداد السياسى، وأخيرا هناك من يشير إلى:
    أثر الخيارات غير الصائبة من المسيحيين أنفسهم.إلا أننا نميل إلى الأخذ بكل ذلك معا.

    وعليه وفى ضوء ما سبق سوف نجد كيف أن المسيحيين فى المنطقة قد تراوحوا بين الحضور والغياب حسب السياق المجتمعى.. ويمكننا أن نرصد هذا التراوح بوضوح من خلال المراحل الثلاث التالية:
    أولا: مرحلة النضال الوطنى: حيث ساهم المسيحيون مع مواطنيهم من المسلمين فى مواجهة المستعمر، وتفاعلوا مع الحراك الوطنى البازغ، وكانوا من مكوناته الأساسية.

    ثانيا: مرحلة ما بعد الاستقلال: حيث ساهموا فى بناء الأوطان، ولكن بفعل ما واجه مشروع الاستقلال والتعثرات التى طالت بناء الدولة الحديثة من تحديات تراوح حضورهم بين الفاعلية والانكفاء الدينى.

    ثالثا: مرحلة التوترات الدينية والمذهبية: حيث تراجع الحضور المسيحى.

    وعلى الرغم من أن ما أصاب المسيحيين فى المنطقة قد طال المسلمين أيضا، مما يعنى أن الإشكالية أعقد من أن تكون دينية محض.. إلا أنها كانت مؤثرة لدى المسيحيين نظرا لعددهم فغابوا.

    المسيحيون بين الغياب والتغييب
    يمكن القول إن ما آل إليه الوضع المسيحى فى المنطقة قد تراوح بحسب ما كتبنا مرة بين: «الغياب والتغييب»..
    «الغياب الإرادى» سواء بالهجرة إلى داخل الأوطان أو إلى خارجها.

    أو يتم «التغييب القسرى» بالاستبعاد والتهميش أو بالحضور المشروط أو المواطنة المنقوصة.

    «غياب وتغييب»، تسببنا فيهما جميعا بغير استثناء.. وذلك نتيجة عوامل عدة متداخلة منها: التصورات التى طرحتها جماعات الإسلام السياسى منذ مطلع السبعينيات، هذا بالرغم من اجتهادات فقهية معتبرة حاسمة تقر بالمواطنة للمسيحيين.. كما ساهم الانسداد السياسى وفشل دولة ما بعد الاستقلال فى تأسيس القنوات القادرة على استيعاب التنوع من جهة، والقبول بأن الصراع بين مكونات الجماعة ليس دينيا وإنما اجتماعيا اقتصاديا.. فالقطعى أن ميسورى الحال من المنتمين لهذا الدين أو ذاك، يكونون أكثر قربا من بعضهم البعض، وعلى العكس يترجم أبناء الشرائح الوسطى والدنيا أسباب الظلم لاعتبارات.. وأخيرا نأتى لخيارات المسيحيين أنفسهم الذين يرضون بالعزلة الحذرة فى إطار الانتماء الأولى واعتبارها مجال حركتها الأساسى والميل إلى «اختراع الملة» (راجع مقالنا من اصطناع الأقلية إلى اختراع الملة بجريدة الشروق فى 5/7/2010) والاستظلال بها.. أو الخروج الآمن من الأوطان.

    مسيحيو المنطقة: رؤيتان
    فى الحالتين: «العزلة الحذرة» أو «الخروج الآمن».. حدثت هجرة من المجتمع بدرجة أو أخرى.. زاد من الإحساس بها الهجرة الخارجية التى جرت بشكل متسارع ووصفها البعض بالنزيف (على الرغم من إدراكنا أن ظاهرة الهجرة قد طالت الكل دون تمييز).. بيد أن هذه الظاهرة بالرغم من طرحها للنقاش على أكثر من صعيد إلا أنها لم تحظ بالاهتمام الكافى حتى وصلنا إلى لحظة الحقيقة واكتشفنا فيها أن العراق والقدس وقد كادتا أن يفرغا من المسيحيين.. وأن لبنان وسوريا ومصر والأردن ليست بمنأى عن هذه الظاهرة.

    وأذكر فى هذا المقام كيف نوقشت قضية الوجود المسيحى فى الداخل والخارج منذ التسعينيات (معهد أنييللى الإيطالى للدراسات ومعهد العالم العربى وجمعية سانت إيجيديو والجامعة الإنجيلية بألمانيا).. وتخصيص النهار اللبنانية ملحقها الأسبوعى الثقافى (يناير 1998) ملفا بعنوان: «أوقفوا هجرة مسيحيى الشرق!».. شارك فيه من مصر الراحل محمد سيد أحمد، وميلاد حنا، وكاتب هذه السطور.. ومؤخرا منذ شهرين مركز عصام فارس والفريق العربى للحوار الإسلامى المسيحى بالاشتراك مع مركز الدراسات الحضارية بجامعة القاهرة.. بالإضافة إلى كثير من البحوث والكتب التى صدرت إبان هذه الفترة (منها مسيحيو الشرق لكلود لورييه، وأطلنطا الغارقة لبيار روندو.. الخ).. بالإضافة لجهات كنسية قاربت الموضوع مثل مجلس كنائس الشرق الأوسط ومجلس البطاركة الكاثوليك فى الشرق ومؤخرا الفاتيكان.. إلخ.

    وفى هذا السياق نشير بإيجاز إلى رؤيتين مسيحيتين تبلورتا لمواجهة هذه الإشكاليات.. الأولى تعتمد على الخبرة الحية للمسيحيين عبر التاريخ وعلى لاهوت منفتح يمكن أن نطلق عليها «الرجاء الحى» تقول إن الحضور المسيحى شهادة ورسالة بالرغم من أية تحديات، وأن الجذور المسيحية للمنطقة تستحق الدفاع عن الوجود المسيحى من خلال الشراكة والحضور الفاعل ولا ترى تناقضا بين العضوية فى الكنيسة وبين المواطنية، وأن الكل يعانى من نفس المشاكل من الاستبداد والاستغلال والمصالح السياسية ومن ثم لابد من النضال المشترك من أجل تجاوز المعاناة المشتركة وبناء الدولة الحديثة.. إنها رؤية تثق فى المستقبل وفى قدرة الناس الحية على إمكانية تجاوز الواقع.

    أما الرؤية الثانية والتى يمكن أن نطلق عليها «أطلنطا الغارقة» استعارة للكتاب الذى يحمل نفس العنوان تتناقض مع ما سبق وتقول بضرورة الانكفاء وتمايز الهوية عن المحيط الذى تعيش فيه، ولديها تحفظات كثيرة على الواقع، وتخاف أن تلقى مصير أطلنطا.

    قضية المسيحيين قضية تخص مستقبلنا كله
    واقع الحال لابد أن ننشغل بهذا الموضوع ليس من منطلق دينى وإنما من منطلق حضارى.. وندرك أن ما يهدد الجزء هو فى الواقع تهديد للكل.. إن المظاهر التى تم التحذير منها مبكرا والتى تطل بقوة هذه الأيام خاصة فيما يتعلق بتناقص أعداد مسيحيى المنطقة، تعطى ذريعة كما كتبنا مرة للذين يحاولون إثبات عدم قدرة منظومتنا الثقافية على استيعاب التنوع.. ومن ثم باتت مهمتنا إبطال أسباب التغييب والغياب.. ونختم بما قاله قسطنطين زريق عام 1981» إن مشكلة المسيحيين العرب، بصفتهم أقلية فى المجتمع العربى الذى تنتمى كثرته إلى الإسلام، هى مشكلة تشترك فى مسئوليتها الأكثرية والأقلية، ولا يمكن أن تحل حلا جذريا إلا بتحولات جذرية فى الجانبين معا، وذلك بالإقبال على بناء مجتمع قومى على أساس مصلحة الشعب ومنجزات العلم والحضارة والمساواة القانونية والعملية بين المواطنين والعدالة بينهم، والتحول من تسييس الدين إلى تقصى جوهره الروحى.. والواقع أن الحديث عن المسيحيين والمستقبل يفتح قضية العرب بكاملها وقضايا المستقبل بمجموعها.

     
  • مصـر «المنهوبة»

    هل التاريخ يعيد نفسه حقا؟ ولماذا يتكرر أسوأ ما فى التاريخ؟ وأين يكمن الخلل؟ ولماذا تمتد وتطول فترات الهبوط أكثر من الصعود فى مصرنا الحبيبة؟

    هذه الأسئلة وأخرى كثيرة، وجدتنى أطرحها على نفسى بعد أن فرغت من قراءة «سفر» ــ هام جدا ــ فى أيام قليلة، عنوانه: «اقتصاديات الفساد فى مصر.. كيف جرى إفساد مصر والمصريين؟»، للأخ العزيز الدكتور عبدالخالق فاروق. الكتاب يعد من أهم ما كتب عن مصر المحروسة وماذا جرى فيها من ممارسات اقتصادية فاسدة فى شتى المجالات أدت فى المجمل إلى إفقار المصريين وانهيار قطاعات الدولة المتنوعة. وتأتى أهمية الكتاب فى أنه وثق بالأرقام وأصل بالعلم حصاد الخيار الاقتصادى الفاسد لأولى الأمر من 1974 إلى 2010.

  • مصر الجديدة عند أصحاب المشروعات الفكرية

    الجمهورية أو مصر الجديدة: الأسس والمبادئ.. هو عنوان الدراسة التى كتبتها مبكرا عقب حراك 25 يناير والتى نشرتها على حلقتين فى جريدة الشروق يونيو من عام 2011. وقد كنت آنذاك متأثرا بالزخم الذى أحدثه الحراك الشبابى فى رفض الاستبداد السياسى متمثلا فى إسقاط حاكم مصر. وحاولنا فى هذين المقالين أن نرسم صورة للمستقبل فى ضوء ما جرى من تحولات فى سياق عملية تحول ربما تكون الأهم منذ تأسيس الدولة الحديثة فى مصر.