الأحزاب والغياب...(6): نزعة «اللاتسييس» تدمر الحزبية والسياسة معًا

«نزعة اللاتسييس»؛ تعبير أطلقه المنظر والمناضل السياسى الإيطالى أنطونيو جرامشى (1891 ـــ 1937)، فى وصف الكتلة المجتمعية التى لا تعرف أن تنظم نفسها من أجل الدفاع عن مصالحها الاقتصادية والاجتماعية. ويعود عدم معرفتها إلى غياب الوعى بمصالحها ومن هم خصومها الاقتصاديون، أو أنها غير قادرة على التفاوض المجتمعى، عبر قنواته المتعارف عليها وعلى رأسها الحزب، لإدارة مصالحها إما لأنها لم تدرب عليه أو تخشى نتائجه، أو لأن المجتمع لم يدخل بعد الحداثة ومن ثم تسلم الكتلة المجتمعية أولى الأمر إدارة شؤونها،

0
0
0
s2smodern

الأحزاب والغياب... (5): نحو نظام حزبى فاعل

إذن، لا مفر من أن يتحقق تطور ديمقراطى دون تفعيل للعملية الحزبية. نعم هناك إعاقات تتعلق بظروف الـتأسيس الثانى للأحزاب الذى تم فى 1976 وذلك أن الأحزاب خرجت من عباءة السلطة السياسية. كما أن الأحزاب التى نشأت بعد حراك 25 يناير2011، كانت أقرب للأذرع السياسية لـ«الشبكة»: شبكة الامتيازات المغلقة الثروية، من جهة. وللكيانات الدعوية الدينية، من جهة أخرى. وعلى رأس هذه الكيانات «الجماعة». والتى كانت على مدى عقدين تمثل «المحلل السياسى» للحزب الحاكم فى ثنائية حزبية معقدة: «ثروية ـ دينية». وفى المجمل كانت الأحزاب فى تكوينها أقرب إلى ما وصفناه: بـ«أحزاب التكتلات التصويتية والجماعات الأولية». ما نجم عنه ما يعرف بـ«التحول الحرج».

0
0
0
s2smodern

الأحزاب والغياب (4): أحزاب التجمعات الأولية والكتل التصويتية

تعثرت المسيرة الحزبية المصرية عن الانطلاق لسببين هما: الأول: ارتباط تأسيس الأحزاب بالدولة. أي أن تأسيسها في عام 1976 جاء بقرار فوقى من الحاكم. والذى جاء راسماً من خلال «هندسة» سياسية عدد الأحزاب واتجاهاتها: يمين (حزب الأحرار) ويسار (حزب التجمع) ووسط (حزب مصر). وفى مرحلة لاحقة قرر الحاكم أن يعيد «هندسة الحياة الحزبية»، وذلك بتبنى نظام الحزبين الكبيرين بتأسيسه الحزب الوطنى وهو في الحكم. ليس هذا فقط بل قام بالتوقيع على عريضة حزب المعارضة التي أنس إليها. أما السبب الثانى فهو تبنى صيغة حزبية حاكمة من عنصرين هما: الحزب الوطنى ممثلاً لـ«الثروة» وفى المقابل الجماعة ممثلة لـ«الدين» منذ 1995، أو ما أطلقت عليه مبكراً: «حكم الثروة والدين».. وهى الصيغة التي استنسختها النخبة بعد 25 يناير- بوعى أو بغير وعى- من خلال الأحزاب الثورية والأحزاب الدينية.

0
0
0
s2smodern

الأحزاب والغياب.. (3) التحول الحرج

(1) «التحول الحرج»؛ مفهوم طرحه رالف جولدتما (أستاذ العلوم السياسية بجامعة سان فرانسيسكو) من رصده للصراعات التى تنشأ بين النخب المتنوعة، وجماعات المصالح، والأجيال، والطبقات، والمذاهب، والأديان، والمؤسسات المختلفة.. إلخ، فى أكثر من بلد، عقب لحظة توحد بينهم فى مواجهة الاستبداد. ففى اللحظة التى تشهد فيها الدول/ المجتمعات تحركا شعبيا ضد الاستبداد. حيث ينجح هذا الحراك فى «خلخلة» الاستبداد ــ بدرجة أو أخرى ــ ومن ثم إخراجه خارج المعادلة السياسية فى تلك اللحظة التى تعد تاريخية بكل المعايير. نجد أنه وفى اللحظة التالية لنجاح التحرك المضاد للاستبداد، أن القوى التى تشاركت فى مواجهة الاستبداد تختلف وتتعارك وربما تحتكم إلى السلاح فى خصومتها.. ومن ثم «يتعثر» أو «يتأزم» أو «يصبح حرجا» أو أقرب إلى «المخاض العسير»: «التحول إلى الحالة الديمقراطية».


(2) وتتسم المرحلة الحرجة بتزايد الخصومات، والانقسامات، وربما يصل الأمر إلى استخدام العنف المادى بين أطراف المعادلة السياسية. وبدلا من الشراكة الوطنية فى مواجهة الاستبداد بتجلياته المتنوعة: السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والدينية، فإننا نجد تحاربا بينهم. فالكتلة المدنية، بالمعنى السياسى، المقاومة للاستبداد، على اختلاف عناصرها، تختلف فيما بينها. ويدخل على الخط ما أُطلق عليه بقايا أنظمة الاستبداد. وفى المجمل، نحصل على مشهد حرج وصراعى بامتياز.. ولكن لماذا ينشأ الصراع؟.

(3) أولا: لظن قوى الجديد أن موازين القوة قد استقرت ومن ثم يمكن أن تتوزع المغانم. وثانيا: أن أنظمة الاستبداد التى تكونت عبر زمن لن تستسلم بسهولة حتى وإن تم الإطاحة برؤوسها. فهذه الأنظمة تتشكل من شبكات الامتيازات المغلقة ذات الأموال الوفيرة، والكيانات التقليدية المحافظة التى تتوافق حول مقاومة التغيير والتجديد وإن اختلفت الدوافع. وثالثا: التدخلات الإقليمية والعالمية. ورابعا: ضعف المجتمع المدنى وانسداد المجال العام ببعديه السياسى والمدنى.

(4) وملاحظة جولدمان الأساسية هى أن الأحزاب السياسية هى القادرة على استيعاب الاختلاف ومن ثم القدرة على التفاوض المدنى/ السلمى بين الشركاء/ المتحاربين فى «الفترة الحرجة».. وأن الدول التى كان لديها حركة حزبية فاعلة استطاعت أن تستبدل التفاوض بالتعارك، والتوافق بالتخاصم، والحوار بالعنف، والعكس صحيح.. ومن ثم عبور التحول الحرج من السلطوية إلى الحالة الديمقراطية الشاملة التى تمنح الدول/ المجتمعات الاستقرار الحقيقى.

(5) ويبدو لى أن التشوهات التى طالت الأحزاب كونها خرجت من عباءة «السلطة الشمولية» فى تأسيسها الثانى عام 1976، ثم من قماشة «الهيمنة النخبوية» بعد حراك 25 يناير، قد حالت دون أن يكون لها حضور فاعل. لذا كان الغياب. ويبدو لى أيضا أن التحديث الذى جاء من فوق مع محمد على ــ مع تقديرنا له وتفهمنا التام لإنجازه ــ وخروج الطبقة الوسطى المصرية من رحم الدولة الحديثة كان بمثابة إعاقة بنيوية فى تطور الأحزاب المصرية.. كيف؟

(6) فلقد كان حضورها الحزبى: النخبة/ الطبقة الوسطى يعنى استحضار ظروف النشأة السلطوية/ الدولتية. وهو استحضار يتناقض مع قيم المجتمع المدنى والديمقراطية والحداثة والقيم الدستورية والجمهورية. وعليه أصبحنا نرى أحزابا تمارس أدوارا غير سياسية. فالأحزاب التى أطلقنا عليها الأذرع السياسية للكيانات المالية هى أقرب لأن تكون جماعات مصالح. ذلك لأن العضوية الغالبة هى لرجال المال والأعمال. كذلك الأحزاب التى تمثل الأذرع السياسية للدعوات الدينية هى أقرب لأن تكون تجمعات طائفية. إذن نحن أمام أحزاب أحادية الانتماء. وهناك الأحزاب التى هى أقرب إلى المنتديات الثقافية. وهناك أحزاب أقرب إلى الجماعات الدفاعية عن مصالح المرأة، والأقباط، والشباب. كما أن هناك أحزابا هى فى جوهرها ملتقى للشخصيات العامة. ويضاف إلى ذلك الأحزاب التى هى أقرب إلى الروابط الفئوية، والأحزاب العائلية.. إلخ. والأهم عدم وجود أحزاب تعبر عن الشأن العمالى أو الريفى باعتبارهم طبقات اجتماعية لها مصالح أكثر تعقيدا من مجرد الخدمات المباشرة. وفى المحصلة نجد غيابا حقيقيا للأحزاب.. وحضورا «للتنظيمات الأولية».. ومحاولة ملء الفراغ «بأشباه تشكيلات»: هشة، ومتنافرة، وغير معبرة إلا عن أصحابها. ومن المنطقى ألا يكون لديها أى تصورات: برنامج سياسى متكامل...والأهم فى مرحلة التحول: قدرة تفاوضية لعبور الأزمات. قدرة تفاوضية ليس بمعنى «حل المشكلات على طريقة جلسات الصلح العرفية» وإنما بمعنى التوافق على قواعد قيمية ومؤسسية تصب لصالح التطور الديمقراطى. وهى عملية غاية فى التعقيد.. نفسرها فى مقال لاحق.. ونواصل.

0
0
0
s2smodern