الأحزاب والغياب... (5): نحو نظام حزبى فاعل

إذن، لا مفر من أن يتحقق تطور ديمقراطى دون تفعيل للعملية الحزبية. نعم هناك إعاقات تتعلق بظروف الـتأسيس الثانى للأحزاب الذى تم فى 1976 وذلك أن الأحزاب خرجت من عباءة السلطة السياسية. كما أن الأحزاب التى نشأت بعد حراك 25 يناير2011، كانت أقرب للأذرع السياسية لـ«الشبكة»: شبكة الامتيازات المغلقة الثروية، من جهة. وللكيانات الدعوية الدينية، من جهة أخرى. وعلى رأس هذه الكيانات «الجماعة». والتى كانت على مدى عقدين تمثل «المحلل السياسى» للحزب الحاكم فى ثنائية حزبية معقدة: «ثروية ـ دينية». وفى المجمل كانت الأحزاب فى تكوينها أقرب إلى ما وصفناه: بـ«أحزاب التكتلات التصويتية والجماعات الأولية». ما نجم عنه ما يعرف بـ«التحول الحرج».

(2)

فالأحزاب وحدها هى التى يمكن أن تستوعب القوى السياسية على تنوعها ـ المفترض ـ وتقوم بعمليات التفاوض المختلفة والمتعاقبة التى تخوضها هذه القوى، خاصة فى مراحل التفاوض. فمن المنطقى أن تختلف القوى السياسية حول التشريعات المطروحة. ومن الطبيعى أن تختلف الرؤى السياسية حوله. والأحزاب هى المنوط بها أن تنخرط فى حوار سياسى سلمى من أجل الوصول إلى تسويات سياسية حول التشريع ـ أى تشريع ـ دون أن تطغى رؤية/قوة على باقى الرؤى/القوى.. وإذا كان نظام التحالفات السياسية والقوائم السياسية التى حاولت ملء فراغ الحزب الحاكم «التاريخى» من جهة، والأحزاب السياسية الأخرى من جهة أخرى، قد ساد فى لحظة تاريخية، فإن التحول الديمقراطى الحقيقى يدفعنا إلى أن ضرورة «تفعيل» الحياة الحزبية.

(3)

«فاعلية حزبية» تستند إلى أحزاب تعبر عن رؤى وتوجهات فكرية وسياسية تمثل قوى اجتماعية واقتصادية لا تكتلات تصويتية أو جماعات أولية أو جماعات مصالح ثروية أو كيانات دينية. أحزاب دائمة الانشغال، نشطة، تناضل من أجل شرائح المجتمع المتنوعة فى إطار تفاوضى سلمى. قادرة على الوصول إلى تسويات سياسية مشروعة بين المواطنين ـ على اختلافهم ـ وجماعات المصالح، والدولة، والنقابات،... ،إلخ... كيف نصل ما سبق؟ أو كيف نعبر التحول الحرج؟

(4)

هناك أمور تتعلق بالدولة، يمكن أن نوجزها فى الآتى: أولا: تيسير عملية التنافس بين الأحزاب وتأمين بيئة سياسية مستقرة لها. ثانيا: القبول بأن حركة الأحزاب الأساسية هى مع القواعد المواطنية. ومن ثم فإن استمرار تحرك الأحزاب حول الدولة من خلال حزب حاكم ـ بحسب ظروف النشأة وخروجها من عباءة السلطة ـ لم يعد مفيدًا ولن يتكرر لأسباب كثيرة... ماذا عن الأحزاب؟

(5)

على الأحزاب أن تقوم بما يلى: أولا: المراجعة النقدية الشاملة لمسيرتها. ثانيا: وضع تصور واقعى لرؤية الحزب بلغة عصرية قادرة على الوصول إلى كل مواطن تشجعه على مناقشتها والاشتباك معها وقبولها أو رفضها والقبول بأخرى وهكذا. ثالثا: مراجعة الديمقراطية الداخلية للأحزاب ومدى قدرتها على تجديد العضوية الحزبية، من خلال تمثيل داخلى عادل. والحرص على الحضور الشبابى ليس من خلال زيادة عضويته وإنما بتكليفه بمهام وأدوار حزبية ودمجه فى هيكلية الحزب. والأهم تقديم نموذج ديمقراطى مشجع للعضوية. رابعا: أهمية إدراك ماهية القاعدة الاجتماعية للحزب ومن ثم السعى إلى حضورها بشتى الوسائل. خامسا: التوازن بين المركزية واللامركزية. سادسا: ابتكار موارد تمويلية متجددة وفق الأساليب العصرية المتبعة.

(6)

وما بين الدولة والأحزاب، لابد أن ندرك ضرورة تنامى فتح المجال العام لتنظيم نفسها، من خلال: اتحادات العمال، وجمعيات أصحاب العمل، والتعاونيات الزراعية، والنقابات، وروابط الحرفيين، واتحادات الطلبة،... إلخ. والوعى بطبيعة كل منها وبدورها... بلغة أخرى، لا يمكن للأحزاب أن تقوم بدور هذه الكيانات. وفى المقابل لا يمكن للنقابة ولا لاتحاد العمال ولا التعاونيات،...،إلخ، أن تحل محل الأحزاب السياسية.

(7)

أظن أننا فى حاجة ماسّة إلى أن نضع عملية تفعيل الحياة الحزبية على رأس جدول الاهتمامات. استيعاب الشباب، وانتظام القوى السياسية فى كيانات حزبية حداثية تعبّر عن قوى اجتماعية واقتصادية قادرة على استيعاب الشرائح المتنوعة من الطبقة الوسطى، تكون قادرة على الردّ على مزاعم عدم الاهتمام بالسياسة، كذلك تكون أرقاما فاعلة فى المعادلة السياسية قادرة على التفاوض بما يحقق تسويات عادلة لكل المواطنين، هو الضمانة الوحيدة لتحول ديمقراطى آمن.. ونواصل.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern