رحل «طيب تزيني» وبقي مشروعه الفكري الجدلي

بعد هزيمة 1967، انشغل الفكر المصرى والعربى بسؤال محورى هو: لماذا هُزمنا؟. فى هذا السياق تعددت محاولات الإجابة وزواياها المختلفة. فبعضها عنى بالمراجعة التاريخية مثل: لويس عوض فى «تاريخ الفكر المصرى الحديث». وأحمد صادق سعد فى: «التكوين الاجتماعى والاقتصادى لمصر منذ الفراعنة وحتى محمد على». وبعضها الآخر ركز على إعادة فهم الشخصية المصرية وهويتها مثل: جمال حمدان فى «شخصية مصر». ومحمد العزب موسى فى: «وحدة تاريخ مصر». والبعض الثالث اهتم بإعادة فهم العقل العربى، فكانت مساهمة زكى نجيب محمود الرائدة: «تجديد الفكر العربى». كما كانت هناك مراجعات اقتصادية معتبرة مثل التى أنجزها عادل حسين فى مجلديه: «الاقتصاد المصرى من الاستقلال إلى التبعية». وشكلت هذه الإجابات مرجعا فكريا ثريا لانطلاق العديد من المشروعات الفكرية التى من شأنها أن تسهم فى «بعث النهوض وتجاوز التخلف والتأسيس لتقدم جديد».

0
0
0
s2smodern

نوعية وعدد الكتب

كنت أقوم بمراجعة كتابى: «الإمبراطورية الأمريكية: ثلاثية الثروة والدين والقوة»، الصادر فى عام 2003. وذلك لتحديثه وتطويره وإضافة ما استجد من تحولات على القوة الأمريكية التى كانت تقدم نفسها فى نهاية القرن الفائت على أنها «قوة عظمى وحيدة» (Lonely Super Power). ثم إمبراطورية العالم الجديد خاصة عقب حدث سبتمبر 2001 الكارثى. ولكنها ما فتئت تتراجع عن ذلك لسببين هما: الأول: الأزمة المالية الأكبر فى التاريخ. الثانى: الصعود البارز للقوى الصاعدة الجديدة: الصين، والهند، وروسيا... إلخ. وتيقن الإدارة البوشية فى دورتها الثانية وحليفها الرئيسى: «المحافظون الجدد»، ومن خلفهما ما يعرف بـ«المجمع العسكرى الصناعى التكنولوجى» باستحالة الإدارة الإمبراطورية للكوكب. ومن ثم حدث التراجع «الكبير»: «الواقعى الاجتماعى الأوبامى» أولا. «فالبراجماتى الرأسمالى الترامبى» ثانيا..

(2)

عمل أوباما على معالجة الآثار السلبية للأزمة المالية وعينه على الطبقة الوسطى الأمريكية، وفى القلب منها جيل الشباب، باعتبارها القاعدة الاجتماعية التى جاءت به إلى سدة الحكم ونجح فى ذلك إلى حد كبير. ولعل «أوباما كير» يعد إنجازًا تاريخيًا غير مسبوق فى تاريخ أمريكا بحسب كثير من المصادر.. أما الثانى فيحاول أن ينعش أمريكا «الكاوبوى» الجديد مستعيدًا مبدأ مونرو الذى يرى أمريكا اللاتينية «حديقة خلفية» للولايات المتحدة الأمريكية. ويوسع من المسافة بينه وبين أوروبا، ورافعا حدة التوتر بينه وبين الصين وغيرها فيما يعزز «النزعة القومية الأمريكية الداعمة لمصالح الشركات الأمريكية». ما دفع كثيرين إلى وصفه بأنه ممثل الشركات فى سدة الحكم الأمريكى. ومن هنا جاءت الخلافات المتتالية بينه وبين موظفى إدارته ما دفعهم إلى الاستقالة من جهة. كذلك الظهور العلنى للتباين فى وجهات النظر بين مؤسسات الدولة الأمريكية أو ما يعرف فى الأدبيات «بالدولة العميقة»..

(3)

لم تزل التفاعلات جارية فى ظل الإدارة «الترامبية» المثيرة للجدل والإزعاج فى آن واحد. إلا أن ما يهمنى المشاركة به هو «عدد» و«نوعية» الكتب التى تقارب كلًا من أوباما وإدارته من جانب وترامب وإدارته من جانب آخر. حيث تعكس فى واقع الأمر الفرق النوعى بين الرجلين، بغض النظر عن الموقف السياسى الخاص والتحيزات الاجتماعية لأى منا..

فمن حيث العدد يمكن أن نشير إلى أنه صدر ما يزيد على 250 كتابًا عن أوباما خلال الأعوام الخمسة الماضية ولاتزال. أما ترامب فعدد الكتب التى صدرت حوله منذ أعلن ترشحه، أى منذ ثلاث سنوات تقريبا لم تزد على 40 كتابا.. بالطبع الأعداد مهمة ودالة. إلا أن ما يزيد من أهمية الكتب ودلالاتها الرمزية هو نوعية المقاربات للرجلين وهو ما توقفت عنه كثيرا..

0
0
0
s2smodern

الوهم الكبير

«الوهم الكبير»؛ هو عنوان أحدث كتاب لأستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو «جون ميرشايمر» (1947 ــ). ويعد ميرشايمر «أحد أهم الاستراتيجيين الأمريكيين الذين يتابعون بدأب عبر عقود:

أولا: السياسية الخارجية الأمريكية وأثرها وعلاقاتها (راجع كتابه اللوبى الإسرائيلى والسياسة الأمريكية الخارجية ــ 2007).

وثانيا: تحولات نظام العلاقات الدولية (راجع كتابه المرجعى الهام تراجيديا سياسات القوى العظمى ـ 2014). والذى يدرس فيه تفصيلًا سلوك القوة العظمى من أجل الهيمنة على حركة العلاقات الدولية تاريخيًا. وكيف ستكون طبيعة هذا السلوك فى القرن الواحد والعشرين بين القوى التقليدية والقوى البازغة وعلى رأسها الصين. وفى هذا السياق يطرح سؤالًا محوريًا هل سيكون الصعود الصينى فى القرن الواحد والعشرين: «سلاميا» أى بدون صراع؟.. فنجد إجابته هى: «لا حاسمة». ذلك لأن الصين الصاعدة سوف تعمل ــ حتمًا ــ على الهيمنة على آسيا، أولا، ومن ثم العالم. وهو ما سوف تقاومه الولايات المتحدة الأمريكية لإبقاء النظم الإقليمية بنفس توازنات القوة القديمة والتى تحتل فيها أمريكا وضعًا مهيمنًا لا بأس به.

0
0
0
s2smodern

النظام الدولي 2019

«رؤى جديدة للنظام الدولى»؛ هو أحدث كتاب لعالم الاجتماع السياسى البروفيسور برتران بادى (1950). صدر مطلع هذا العام وفيه يقوم بمراجعة شاملة لكثير من المسلمات التى تواترنا على ترديدها فيما يتعلق بالعلاقات الدولية وطبيعة القوى الفاعلة فيها. ففى البدء يؤكد على أن العالم يعيش زمن ما بعد القطبية الثانية. أى ما بعد الحرب الباردة حيث الصراع الجوهرى فيها كان بين المعسكرين الشرقى والغربى. وبالرغم من الصراعات، والحروب، والعمليات الإرهابية، التى تنتشر فى الكوكب بكثافة وتذكرنا بالتى كانت تجرى بين القوتين الأعظم: أمريكا والاتحاد السوفيتى فى الحقبة «الباردة». إلا أن «بادى» يشير إلى أن ما يثور حاليا يتم «خارج الإطار الثنائى القطبية». وأن تعبير «المجتمع الدولى» لم يعد يحظ بالاحترام التاريخى المتعارف عليه. حيث بات الأمر أقرب إلى «الفوضى الدولية».. لماذا؟.

0
0
0
s2smodern