الزلزال الشبابى

في معرض اهتمامنا «بالمواطنية الجديدة» في أوروبا، وقع تحت أيدينا الكثير من الأدبيات التي تحاول أن تبحث بشكل خاص موقع/موضع الشباب، بشرائحه التراتبية، من/فى هذه الحركة. ووجدنا حالة من الاستنفار البحثى الأكاديمى والسياسى «لفك شفرة» الشباب البريطانى من حيث: أولًا: فهم كيف يفكر. وثانيًا: كيف يتخذ مواقفه الحياتية، والسياسية، والاجتماعية. وثالثًا: كيف تتشكل مواقفه التصويتية. ورابعًا: متى يكون حاضرًا مشاركًا ومتى يقرر الغياب ولماذا. وخامسًا: المقارنة بين الحالة الاحتجاجية الشبابية وبين ما سبقها من حركات شبابية، خاصة حركة 1968. وسادسًا: ما هي منظومة القيم الحاكمة لتوجهات جيل الشباب ومن ثم مواقفه. وسابعًا: ما الجديد الذي يمكن أن يسم الحركة الشبابية الفاعلة في الجسم المجتمعى وحركيته الفائرة. وثامنًا: أثر كل ما سبق على المستقبل. وتاسعًا: ما هي السياسات الاجتماعية الجديدة المطلوبة.

(2)

وقد تدرجت هذه الدراسات في وصف الحراك الشبابى في بريطانيا بين «الشباب الجديد» «New Youth»؛ وبين «الزلزال الشبابى» «Youthquake»... وأغلب هذه الدراسات صدرت في أعقاب الانتخابات السياسية المبكرة التي أقيمت في 2017 ومن قبلها استفتاء «البريكست». أي منذ 2016 وإلى الآن. وفى مطلع هذا العام ــ2019 ــ أطلقت واحدة من أهم دور النشر البريطانية سلسلة كتب متخصصة بعنوان: «دراسات الشباب الصغير والسياسة». صدر منها ثلاثة كتب خلال الأشهر الثلاثة الماضية. لعل أبرز هذه الكتب الكتاب الذي حمل عنوان «الزلزال الشبابى في 2017: وبزوغ الكوزموبوليتانيون الصغار»؛ (2019).. ويقدم الكتاب ــ بشكل عام ــ نموذجًا في تأصيل الظواهر وتشريحها، وصك المصطلحات وتوصيفها بدقة، وأثر الظاهرة وتداعياتها على الواقع والمستقبل.

(3)

تشرح المقدمة كيف أقر قاموس أكسفورد الإنجليزى، في ديسمبر 2017، تعبير «youthquake»، واعتبارها «كلمة العام». ووضع تعريفًا دقيقًا لها نوجزه في الآتى: «التغيير البارز الذي يقوم به الشباب ــ الصغير ــ سواء بالأفعال المباشرة أو بالضغط في المجالات السياسية، أو الثقافية، أو الاجتماعية. فلقد شهد عام 2017 من خلال رصد السلوك التصويتى للشباب من جهة ومن خلال ردة الفعل على «البريكست»، حالة شبابية ديناميكية لم ترها بريطانيا منذ نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، تتسم بأنها تحمل قيمًا جديدة على جميع الأصعدة تميزها عما قبلها، ما دفع المحللين والمراقبين بوصفها بأنها بزوغ لكتلة شباب الألفية التي تحمل قيمًا مغايرة لما هو سائد في الحياة السياسية والحزبية والثقافية على مدى زمنى طويل في إطار الحزبين الكبيرين التاريخيين.. فالشباب «الألفى الصغير الجديد» أو «المواطنون الصغار» «young Citizens»؛ أعادوا اختراع الحركية السياسية البريطانية «reinventing political activism»، وفق قواعد جديدة تلائم قيم الألفية ذات الجوهر الرقمى بتطبيقاته المتنوعة والمتشابكة والمركبة ذات التأثير الهائل في إحداث التغيير.

(4)

وتشير الأرقام إلى أن أكثر من 60% من الشباب ما بين 18 و24 سنة قد اتجه إلى التصويت لحزب العمال يحركهم أوضاع: الفقر المتنامية، والتقشف المتزايدة، واللا مساواة الاقتصادية. مقابل 27% صوتوا لحزب المحافظين. ما فرض ضرورة إعادة النظر في السياسات الاجتماعية وأولوياتها. في هذا السياق، رسم الكتاب خريطة دقيقة للتحركات الشبابية ومواقفها وتنوعها بين التحرك الشعبوى «الشارعى» أو الانخراط السياسى الحزبى الذي بالضرورة لا يعنى حرصهم على العضوية الشبابية. كذلك التمييز بين الشباب القومى الذي يواجه ظروفا اجتماعية صعبة في الداخل البريطانى وبين الشباب «الكوزموبوليتانى» المنفتح على العالم الجديد والزمن الرقمى الذي تحكمه قيم يسارية تميل إلى العدالة الاجتماعية، والكرامة الانسانية، والتعددية الثقافية. وكيف أنه بالرغم من الاختلاف إلا أن هناك ما يجمع بين هؤلاء «الشباب الصغار» هو الغضب والرفض لكل ما هو قائم... إنه «الزلزال الشبابى»... ونواصل..


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern