الصهيونية المسيحية...(5) المنظمات الفاعلة سياسياً

شهدت الولايات المتحدة الأمريكية زخماً كبيراً من قبل الحركة الصهيونية بتجلييها: الدينى والسياسى، فى مطلع السبعينات من القرن الماضى. وهو الزخم الذى تلاقى مع الصعود المتنامى لما بات يُعرف بحركة: «اليمين المسيحى الجديد» New Christian Right، وهو الاسم المعتمد فى الأدبيات الأمريكية لهؤلاء المتشددين الأصوليين الإنجيليين الذين باتوا يمارسون السياسة وفق التفسيرات الكتابية والتوراتية خارج كنائسهم - التيار الرئيس للكنائس الإنجيلية- تحت مظلة تأسيس مؤسسات مدنية تمارس أدواراً دينية وسياسية ضاغطة على الإدارات السياسية المتعاقبة. وقد استفادت كل من الحركتين (الصهيونية واليمينية المسيحية) بما حققته إسرائيل فى حرب الخامس من يونيو، وحملتا مطالبها إلى المجالين السياسى والمدنى الأمريكى.

0
0
0
s2smodern

الصهيونية المسيحية (4) الحركة الصهيونية الأمريكية

مثلما جرى فى أوروبا جرى فى الولايات المتحدة الأمريكية. بدأت «الصهيونية الدينية» تنحو نحو السياسة. وكان الفاعل الأساسى فى هذا التحرك هم أتباع الحركة «السابقية» (سابقو الألف، أو التدبيريون أو الحقبيون أو الدهريون) التى آمنت أولا: بالحكم الألفى، أو بعودة السيد المسيح كى يملك لمدة ألف سنة. وثانيا: بالتفسير التوراتى اليهودى للنص المسيحى. وثالثا: بتمييز اليهود باعتبارهم شعب الله المختار دون شعوب العالم وما يؤمنون به. ورابعا: إعادة توظيف النص الدينى التوراتى سياسيا من أجل تأسيس كيان قومى دينى سياسى لليهود.. وقد بدأ سعى «السابقون» منذ مطلع القرن التاسع عشر من خلال عدة محطات.

0
0
0
s2smodern

الصهيونية المسيحية (3) من الصهيونية الدينية إلى السياسية الأوروبية

عرضنا للجذور التاريخية للفكرة الصهيونية التى بدأت «دينية» فى القرن السابع عشر، بفعل «الطهريون» التيار المتشدد فى الحركة الإنجيلية. وهو التيار الذى التزم التفسير الحرفى التوراتى. حيث تماهى هذا التيار مع الإسرائيليين القدامى فوصفوا بريطانيا وقت كرومويل (1649- 1758)، «بإسرائيل البريطانية وصهيون الإنجليزية». وكانوا قد طالبوا منذ 1573 بجعل «الشريعة الموسوية ملزمة للأمراء المسيحيين». وما أن حل القرن السابع عشر حتى انتشرت ظاهرة «إحياء السامية»، والضغط فى اتجاه «إعادة اليهود إلى فلسطين» تحت مظلة ما أشرنا إليه بفكرة «الحكم الألفى». التى ربطوا فيها بين تصور دولة يهودية حديثة تتميماً لنبوءة الكتاب المقدس. حيث يعود السيد المسيح إلى الأرض كملك لمدة ألف عام. وهو ما ترفضه المذاهب المسيحية الرئيسية.. وكما وضعت هذه البذرة فى أوروبا وضعت فى أمريكا على أيدى «الطهريين» الذين هاجروا إلى الأرض الجديدة آنذاك. وكان هذا هو مولد «الصهيونية الدينية» التى سرعان ما استعارت مفردات مسيحية لتدعم فكرتها.

(2)

وحتى يتحقق هدف الصهيونية الدينية. كان لزاماً عليها أن تمارس سلوكاً سياسياً ضاغطاً. فتأسست فى لندن سنة 1807 جمعية لنشر المسيحية بين اليهود، وعمل القس لويس واى Lewis Way، الذى أصبح عام 1809 مديراً للجمعية على ترويج فكرة عودة اليهود إلى فلسطين تحقيقاً للنبوءات، ولكن سرعان ما تحولت هذه الجمعية من دعوة اليهود إلى المسيحية إلى دعم الفكرة الصهيونية. ويذكر أيضاً فى هذا المجال هنرى دراموند، عضو مجلس العموم البريطانى، الذى تخلى عن عمله السياسى ونذر حياته من أجل عودة اليهود إلى فلسطين.. ومن فرنسا انطلقت- ولأول مرة- خطة لإقامة «كومونولث يهودى فى فلسطين، مقابل القروض اليهودية للحكومة الفرنسية، ومساهمة اليهود فى تمويل حملة نابليون بونابرت لاحتلال المشرق العربى بما فيه فلسطين». ويعد نابليون بونابرت هو أول رئيس دولة يقترح استعادة دولة يهودية فى فلسطين.. وتوالت الدعوات السياسية والدينية فى القرن التاسع عشر لتشجيع توطين اليهود فى فلسطين الأمر الذى ساهم فى تهيئة الظروف والمناخ المناسبين لولادة الصهيونية اليهودية السياسية.

(3)

وكان اللورد بالمرستون (1784-1865) وزير خارجية إنجلترا، ورئيس وزرائها فيما بعد، من أشد المتحمسين لتوطين اليهود فى فلسطين. ما شجع كثير من السياسيين الأوروبيين على ذلك. وأثناء انعقاد مؤتمر لندن عام 1840، تم التقدم بمشروع إلى بالمرستون «لتوطين اليهود فى فلسطين»، لأنها «أرض بغير شعب لشعب بلا أرض». ووظفت الحركة الصهيونية كياناتها المدنية المنتشرة فى أوروبا والتى باتت تحظى بالقوة وتمتلك المال والأدوات الإعلامية للترويج لمطلبها.. وساد فى الخطاب السياسى الأوروبى تعبير: «شعب الله القديم»، فى وصفه لليهود. وتحولت عودة اليهود إلى فلسطين فى الوقت الملائم سياسياً، واستيطان اليهود فى فلسطين إلى «أمنية سياسية بالنسبة إلى إنجلترا». ولا يخفى على القارئ للاستراتيجيات البريطانية الربط بين حصار مشروع محمد على النهضوى والتوسعى وإعادة اليهود ليكونوا عقبة أمام أى مؤامرات شريرة- بحسب النظرة الأوروبية- مستقبلية من تدبير محمد على أو خلفه.. ولا يمكن فى هذا المقام نسيان القس وليم هنرى هتشلر، ابن المبشر الذى عمل فى السفارة البريطانية بفيينا وكان «يحترم اليهود احتراماً شبه أسطورى» وكان من المؤيدين بحماس لتيودور هرتزل وبذل كل ما لديه من أجل القضية الصهيونية لمدة تناهز الثلاثين سنة.. وقد كان مهندس وعد بلفور، الأمر الذى رحب به الذين ينتمون إلى اتجاه «السابقية» والصهيونية الدينية والسياسية الأوروبية النشطة.

(4)

وهكذا صار توطين اليهود فى فلسطين مسألة تداخلت فيها المعتقدات التوراتية والطموحات الإمبريالية السياسية والاستراتيجية وعلى هذه القاعدة تعددت الدعوات الأوروبية التى التقت بالمخططات الصهيونية السياسية خاصة بعد عقد المؤتمر الصهيونى الأول.. فى هذا السياق تمت صياغة مجموعة من المفاهيم مثلت قاعدة فكرية وسياسية ودينية لمسيرة الصهيونية الدينية/ السياسية، لاحقا، مفادها: أولاً: اليهود هم شعب الله المختار والمُفضل. ثانياً: الأفضلية هى نتاج وعد إلهى. ثالثاً: ربط الإيمان بعودة السيد المسيح بقيام دولة صهيون.. لم تكن أمريكا بعيدة عما كان يدور فى أوروبا.. فلقد كانت تتبلور حركة صهيونية سياسية ستقود الدعوة الأولى لاحقاً.. وهو ما نلقى الضوء عليه فى مقالنا القادم.

0
0
0
s2smodern

الصهيونية المسيحية... (2) صهيونية ذات توظيف مسيحى

من محصلة الدعوة «لإحياء السامية» التى عرفتها أوروبا فى القرن السابع عشر. وتبلور كتلة «الطهريين» المتشددة التى توطنت فى الأرض الجديدة أو «كنعان الجديدة»: «الولايات المتحدة الأمريكية»؛ تم الترويج لفكرتين أساسيتين هما: الأولى: الترويج لضرورة عودة اليهود إلى أرض فلسطين. والثانية: إشاعة الفكرة «الألفية» والتى تمهد لمجىء المسيح الثانى الذى عُرف بالنظرة «الألفية» إلى المستقبل والقائلة بأن العالم كما نعرفه قد أشرف على النهاية وأن ألفا من السنين سيبدأ بعد هذه النهاية. (التى أثرت فى تكون الفكر الأمريكى ورسخت لتيار متشدد دينى تجذر

0
0
0
s2smodern