(1)
«المدينة الإنسانية»؛ مصطلح أطلقه عالم أمريكى اسمه «جول كوتكين»، يعمل مديرا تنفيذيا لمركز «فرصة حضرية» بهيوستن، من خلال كتاب حمل عنوان: «المدينة الإنسانية: الحضرية للباقين منا ـ 2016». والحضرية «Urbanism»؛ التى يدعو إليها المؤلف تؤكد على حق الغالبية من المواطنين ــ أو ما أميل إلى وصفهم بالكثرة المواطنية من منظور فكر المواطنة ــ فى أن يعيشوا فى مدن «متحضرة» ذات «نفس إنسانى» وحضرى وجمالى. ويستهل أطروحته فى تأمل معنى المدينة والغرض منها وفق تنمية حضرية مستدامة تختلف جذريا عن التنمية الحضرية المتعارف عليها فى التخطيط العمرانى الكلاسيكى التاريخى الذى يعتمد المقاربة الهندسية الإنشائية/ المعمارية فقط دون غيرها والتى يصفها بالحضرية الرجعية «retro-urbanist». فالحضرية، لديه، تعنى مقاربة متعددة الأبعاد: سياسية، واجتماعية، واقتصادية، تتحقق فيها القيم الإنسانية/ المواطنية التى تشكل الحياة الكريمة للأغلبية.. أو ما بات يعرف لاحقا بالمدن العادلة.
(2)
و«المدن العادلة»؛ فكرة طورها المفكر العالمى الكبير دافيد هارفى، فى السنوات الأخيرة، حيث يؤكد ليس فقط على حق المواطنين فى مدينة حضرية ومتحضرة، وإنما مدينة تمثل ثورة حضرية. مدينة عادلة فى توزيع منافعها على الجميع، وتقدم نموذجا بيئيا نضرا مستداما متحررا من قيم وسلوكيات وسياسات الليبرالية الجديدة فى تسليع عناصر المدينة. وعليه، لا تترك مساحات الأراضى (أو الفراغ) لتكون محلا لاحتكار القلة التى تعمل بكل السبل على تسليعها واستغلالها وترويجها بأعلى سعر فتصبح فى واقع الحال موضعا لمعيشة القادرين ماليا من جهة. أو من جهة أخرى، هدفا لوضع اليد من قبل الأغلبية. وبالنتيجة، يتحول الفراغ فى الحالة الأولى إلى «تجمعات مسورة» يحرسها الأمن الخاص، وتصبح بمثابة «ملاذ» مخطط لأصحاب الامتيازات التى ترى المدينة القديمة تضيق بهم بعد أن فقدت دورها الإنتاجى كمساحة تكونت تاريخيا حول التصنيع كما كانت شاهدة على تبلور قوى مجتمعية مدينية إنتاجية التوجه. أما فى الحالة الثانية فنجد المساحات وقد ضجت بكتل بشرية تبنى كتلا أسمنتية فى شتى الاتجاهات دون تخطيط يجور على الأخضر من جانب. وتصادر الأصفر من جانب آخر لصالح امتدادات عشوائية لا هى ريفية ولا مدينية وتتسم بنشاطات اقتصادية خدمية ريعية.. وهكذا نصبح أمام تجمعات «مُسورة» مقابل تجمعات «مشوهة». تعكس فى الواقع واقع الجسم الاجتماعى المعاصر فى كثير من بلدان العالم.
(3)
التجمعات «المسورة» و«المشوهة»؛ وأقصد بها المساحات السكنية المغلقة، أو التى يصفها علم الاجتماع الحضرى الأمريكى بالتجمعات ذات البوابات أو «Gated»؛ التى يقطنها الأثرياء من أصحاب الفوائض المالية المتنوعة التى تميل إلى الاستهلاك الشره. كذلك المساحات السكنية العشوائية التى تتنامى على الحدود بين الريف والمدن القديمة فى غيبة التنمية الواعية المتجددة والمستدامة والعادلة فى كثير من بلدان العالم وتقطنها شرائح اجتماعية متنوعة خليط وهجين من: مهاجرى الريف، وساكنى الأحياء القديمة من الطبقات الوسطى الدنيا الذين لم يقدروا على الحراك والتنقل إلى أماكن أفضل، والعمالة اليدوية التى هاجرت إلى الخارج وعادت بفوائض مالية، أو العمالة اليدوية المحلية،...إلخ. ففى الأولى تعيش هذه المجتمعات حياة معقمة فى عزلة عن العالم الخارجى. والثانية تعيش حالة «مسخ» بين أسوأ ما فى الريف والمدينة معا. ما ساهم فى إنتاج أنماط من العلاقات الاجتماعية بتنا نستشعر جميعا تداعياتها الخطيرة. كذلك تشرزم مجتمعى حاد تسجله الدراسات الاجتماعية المختلفة.. فى هذا السياق، تصاعدت الدعوة للمدينة الإنسانية العادلة.
(4)
«المدينة الإنسانية العادلة»؛ هى مدينة تتوطد فيها العلاقة بين القيم الإنسانية والحالة الحضرية. مدينة غير «مسورة» ولا «مشوهة».. ما يصب فى تشكل الإنسان المُبتكر، والنشط، والمنتج، والراعى للبيئة التى يعيش فيها من جهة، وبلورة المواطن الفاعل، والمشارك من جهة أخرى.