الحق في «التمدن»

(1)
تتعقد الحياة اليومية يوما بعد يوم. وأنماط الحياة التى كانت موضع رضا وقبول وتعايش لم تعد كذلك. ومن ضمن ما طاله العبث والترهل والتشوه هو «المدينة» بما تحمل من قيم «تمدين» تتجلى فيما يلى: أولا: المساحات المتناسبة مع عدد سكانها. ثانيا: التخطيط العمرانى الحديث. ثالثا: حق المجتمع ومواطنيه فى الفراغات العامة عمرانية كانت أو طبيعية بحسب دكتوراه شرفت بمناقشتها للدكتور عاصم عبدالسلام قدور ــ 2015 تحت إشراف الدكتور سامح العلايلى. رابعا: توفر المرافق العامة والخدمات وضمان توزيع عادل لها مع تأمين سيولة حركتها ووصولها سريعا. خامسا: المساحات الخضراء. سادسا: التحرك/ الحياة فى هذه المدينة وفق قيم ومعايير منضبطة وقواعد منظمة. سابعا: حضور سكانى ممثل لكل الشرائح الاجتماعية دون تمييز. ثامنا: ارتباط التطور المدينى بالتطور العلمى بشكل عام. ثامنا: تأسيس تشكيلات على أساس مدنى من جمعيات وصحف وأحزاب وكيانات يمكن وصفها «بالمدينية».. والسؤال الذى يطرح نفسه هو ما سبب/ أسباب ما آلت إليه المدينة من تدهور؟

(2)

يشير بعض الدارسين إلى أن سوء «النموذج التنموى» الذى تم اتباعه فى عديد من دول الجنوب عقب الحرب العالمية الثانية هو سبب الكثير من التداعيات من ضمنها: الهجرة الكثيفة إلى المدينة نظرا لغيبة الاهتمام بتنمية الريف. واحتكار الفراغات والمساحات لصالح قلة تركزت الثروة فى أيديها. ما أدى إلى خصخصة الموارد المشتركة. وتشويه التخطيط المدينى شكلا ومضمونا وجعله فى حالة كارثية على كل المستويات. وإضعاف قدرة المدينة ومواطنيها على القيام بالدور التنموى المنوط بهم. المدينة التى كانت يوما موضعا حضريا إنتاجيا حديثا. وبالأخير، اجتياح قيم وعلاقات ما قبل المدينة/ المدنية للمدينة...

(3)

فى هذا السياق، ومع تنامى فقدان المدينة لروحها ودورها، تم التنادى العالمى، مطلع القرن الحالى من أجل إنقاذ المدينة من جهة حماية قيم ومبادئ «التمدن» باعتبارها «حقوقا» للمواطنين على اختلافهم. وانطلقت الدعوة إلى حماية المدينة من خلال «وضع ميثاق دولى للحق فى المدينة» أو «حق المواطنين فى المدينة» أو حقهم فى قيمها المدنية وميزاتها المدينية الأصيلة من: مساحات، وفراغات، وخدمات، ومرافق، وتوزيع سكانى متجانس، ونمو عمرانى دائم ومخطط، تأمين وفاء المدينة بوظائفها الاجتماعية والثقافية والسياسية، التوازن العادل الدقيق فيما يعرف بتوزيع الدخل الحضرى وتوزيع الأراضى والخدمات العامة للمواطنين كل المواطنين. ووضع الميثاق تعريفا مهما لضمان الحق فى المدينة ومن ثم ممارسة حقهم فى حياة «متمدينة» وذلك كما يلى: «الحق فى الاستخدام المتكافئ للمدن فى إطار مبادئ الاستدامة والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية. وهو حق جماعى لسكان المدن، وبالذات الفئات المعرضة للمخاطر، مع التأكيد على شرعية قيامهم بالعمل والتنظيم بناء على طريقة حياتهم وعاداتهم، ومع تحقيق أقصى درجة من الحق فى اتخاذ قراراتهم بحرية وفى الحصول على مستوى معيشة لائق. ويشمل ما سبق منظومة حقوق متكاملة كما يلى: الحق فى العمل فى ظروف عادلة ومقبولة، وفى إقامة والاشتراك فى اتحادات وفى الأمن الاجتماعى والصحة العامة ومياه الشرب النقية والطاقة والنقل العام وغيرها من الخدمات الاجتماعية وفى الغذاء والملبس والمأوى المناسب. كما يشمل الحق فى تعليم عام جيد وفى الثقافة والمعلومات والمشاركة السياسية والتعايش السلمى والعدالة القانونية وفى التنظيم والاجتماع والتعبير عن الرأى. كما يشمل احترام الأقليات والتعدد العرقى والجنسى والثقافى واحترام المهاجرين. التنمية والبيئة الصحية والاستمتاع بالموارد الطبيعية والحفاظ عليها، والحق فى المشاركة فى التخطيط والإدارة العمرانية، والحق فى الميراث التاريخى والثقافى.

(4)

إنها المدينة الإنسانية «Human City»؛ التى تحمل مسؤولية الاحتفاظ بدور المدينة وفق التقدم العلمى بما يضمن تطويرها وحمايتها والعناية بها واستدامتها التنموية: «المدينية والحضرية» لجميع المواطنين. شريطة أن تكون قيم «التمدن» متاحا بعدالة للجميع وهو ما أكد عليه المفكر الكبير ديفيد هارفى أول من لفت النظر إلى ضمان وصول حقوق التمدن لجميع المواطنين... وهو ما نفصله لاحقا...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern