المواطنة الخضراء

(1)
الإجهاد المتعمد والمتنامى للبيئة؛

جددت الموجة الحارة غير المسبوقة التى تتعرض لها أوروبا فى الأسابيع الماضية الحديث عن التغيرات المناخية وأثرها الكارثى المحتمل على كوكب الأرض ومواطنيه على اختلاف مشاربهم. وكانت دوما قضيتى الحفاظ على الطبيعة من جهة والعناية بالبيئة من جهة أخرى، موضع اهتمام الأديان والإنسانية. وكيف أن الإنسان مسؤول ــ بل مكلف ــ برعايتهما. إلا أن التداعيات المتلاحقة بفعل التعامل البشع مع الطبيعة والبيئة من خلال الاستنزاف بلا حساب لمواردها، والإصرار على تطبيق أنظمة تصنيع تقوم على الطاقة الرخيصة قد أدى إلى اختلالات جوهرية مدمرة للبنية البيئية الطبيعية. ومن ثم الإرباك والإجهاد المتعمد والمتزايد للبيئة. ما دفع البشر إلى تنظيم أنفسهم فى جماعات دفاعية عن البيئة والطبيعة من منظور أخلاقى وإنسانى.

(2)

القوة الخضراء؛

ومع مرور الوقت، تطور الاهتمام بالمسألة البيئية وتم مقاربتها من منظور «حقوقى». وينطلق هذا المنظور من مبدأ حماية المواطن ــ أىّ مواطن ــ من التلوث ومن تداعيات التدهور البيئى جراء النهب المنظم للثروات والهدر المتصاعد للمقدرات البيئية. وقد ساهمت مؤتمرات الأمم المتحدة المتعاقبة مثل: مستقبلنا المشترك (1987)، ومؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية المعروف باسم «مؤتمر ريو» أو مؤتمر «قمة الأرض» (1992)، ومؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة الذى عقد فى ريو ــ مجددا ــ وعُرف بمؤتمر «ريو +20» (2012)، فى بلورة موقف إنسانى كوكبى حيال قضية البيئة. وشجعت الكثير من المواطنين فى كثير من بلدان العالم على تنظيم أنفسهم فيما بات معروفا بـ«القوة الخضراء» «Green Power»؛ فى حركات وأحزاب تتبنى قضايا البيئة والطبيعة ضد ما يلى: أولا: السياسات الحكومية التى تلحق الضرر بالبنية البيئية وبالمواطنين بالتالى. ثانيا: أنظمة التصنيع الرأسمالية التى لا تراعى إلا مصالح القلة المالية وتنمى عوائدها على حساب الكثرة المواطنية. ما يدفعها إلى استباحة الطبيعة والبيئة و«إنضابها» وتهديد بقائها. وهو ما اعتبرته المحافل الدولية «خيانة للأجيال القادمة».

(3)

«تخضير» المواطنة؛...

فى هذا السياق، بدأ الحديث عن «الحقوق البيئية». وجرى التهجين الثلاثى بين: أولا: القيم الدينية والفلسفية المبكرة حول حماية الطبيعة والبيئة (راجع مثلا مساهمة الكاتب والشاعر الأمريكى ديفيد هنرى ثورو،1817 ــ 1862، فى هذا المقام). وثانيا: الأفكار الإنسانية والعلمية التى تم تداولها فى المؤتمرات الكوكبية. وثالثا: الأفكار الحقوقية والمواطنية. وهى العملية التى عُرفت ــ فى أدبيات المواطنة ــ «بتخضير المواطنة» أو «Greening Citizenship»؛ والتى خلصت إلى بلورة رؤية بيئية أخلاقية حقوقية سياسية مركبة حاكمة للحركات والأحزاب الخضراء.. رؤية توجه إلى الضغط فى اتجاه تأسيس «نظام بيئى عادل لكل المواطنين» «Just Eco-system for all citizens».

(4)

«نظام بيئى عادل»؛...

ويقوم النظام البيئى العادل على أمرين هما: الأول: ضرورة تأمين التوزيع العادل للموارد ــ النادرة ــ بين المواطنين. شريطة أن يتم التوزيع العادل فى الحدود التى تضمن استدامة نضارة البيئة الآن ومستقبلا. ثانيا: أن يتم ما سبق فى إطار منظومة «عناية» بالبيئة تقوم على الشراكة بين المواطنين والمجتمعين السياسى والمدنى وبين الكيانات الاقتصادية على قاعدة المواطنة الخضراء... كيف؟.

(5)

المواطنة الخضراء: ثلاثة شروط؛

أجمع المؤيدون/ الممارسون «للمواطنة الخضراء» على ضرورة توفر ثلاثة شروط يلتزم بها أطراف الشراكة كما يلى: أولا: الحضور المواطنى الفاعل. وثانيا: الالتزام السياسى والمدنى والثقافى. وثالثا: الاقتصاد الأخضر. وهى الشروط الضامنة لتبلور تيار مواطنى رئيسى يدافع ويضغط ويطرح الأفكار فى اتجاه إلزام الحكومات عبر العمل السياسى والمدنى إلى ضمان ما يمكن أن نطلق عليه النضارة البيئية الدائمة والعادلة عبر السياسات البديلة ونشر الوعى الثقافى المناهض لتدمير البيئة والطبيعة بفعل الاستئثار الرأسمالى السوقى. وضرب جرس الإنذار لخطورة تداعيات تدمير البيئة على حياة المواطنين اقتصاديا وصحيا،...، إلخ. وذلك فى ضوء اقتصاد أخضر يراعى الثروات والموارد بالابتكار العلمى من أجل نظم تصنيع آمنة بيئيا انطلاقا من المسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمعات ومواطنيها


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern