مؤلف «النهايات»

يشهد العالم فورة فكرية ومعرفية. فمنذ الأزمة الاقتصادية التى هزت أرجاء المعمورة فى 2008، كانت المراجعة هى عنوان المرحلة التى أعقبت هذه الأزمة…
مراجعة لكل شيء… الأفكار والسياسات والتطبيقات فى شتى المجالات. ويمكن إيجاز هذه المراجعات فى عبارة واحدة: يجب إسدال الستار على أحد فصول التاريخ الإنسانى وضرورة الاستعداد لفصل جديد…

وعليه، تعددت الأعمال المرجعية الكبرى التى اعتمدت النقد والمراجعة منهجا للحالة الكونية بأبعادها المتنوعة، ليس فقط للحظة الراهنة وإنما لكل للظروف والملابسات التى أدت إلى الوضع الحالي.ولم تكتف بذلك وإنما اجتهدت فى ختام المراجعات على تقديم التصورات والسيناريوهات لمستقبل العالم الاقتصادي، والسياسي، ومن ثم الاجتماعى والثقافي. ويكفى أن نشير إلى كتاب بريجنسكى حول العالم الجديد الذى طرح فيه فكرة الغرب الحيوى الكبير، (وقد قدمناه لقارئ الأهرام نهاية العام الماضى فى أكثر من مقال). وإلى كتاب رأس المال لبكيتى والذى ربما نكون أول من كتبنا عنه مطلع هذا العام،…،إلخ. وكلها أعمال تكشف لنا عن ماذا يشغل بال العالم وكيف يرون تحولاته الراهنة وصورته المستقبلية.

وفى هذا السياق، يأتى مجلد فرانسيس فوكوياما الجديد (الصادر منذ أيام) المعنون: النظام السياسى والتحلل السياسي: من الثورة الصناعية إلى عولمة الديمقراطية؛(يقع فى 700 صفحة من القطع الكبير، ويعد الجزء الثانى من مجلد أول عنوانه: جذور النظام السياسي: من قبل الإنسانية إلى الثورة الفرنسية ـ 2011)…وقبل أن نفصل مضمون الكتاب لأهميته الشديدة، نرى أن نخصص مقالنا اليوم حول فرانسيس فوكوياما.

فوكوياما هو أكاديمى أمريكى ينتمى لفئة الباحثين الذين لديهم القدرة على تقديم تصورات للمؤسسة السياسية تعينها فى تشكيل خططها وسياساتها. حيث يوظف مقدرته العلمية ـ التى لا غبار عليها ـ فى التخديم على الإدارة السياسية وأن يلهمها بالتصورات والسيناريوهات التى يمكن أن تتبعها فى تنفيذ مخططاتها ومشروعاتها. علما بأن مؤلفاته تقوم على البحث المنهجى الرصين والقدرة على التحليل التفصيلى للقطات التاريخية والسياسية والاستخراج المبدع لكثير من الأفكار والآراء، على طريقة برنارد لويس. ومن هنا تأتى أهميته حيث أن لديه القدرة العلمية من جهة، ولديه امكانية التأثير فى الأخذ بما لديه. ولا يهم أن تتغير الآراء متى تغيرت الظروف…لذا من المفارقات أن نجد تعبير نهاية يتكرر كثيرا فى كثير من كتاباته وعلى مدى فصول مجلده الأخير، لذا أظنه يستحق الصفة التى أطلقناها عليه: مؤلف النهايات… وهو أمر له دلالته فيما اشرنا إليه. وكمقدمة لتناول مجلده الأخير، لاحقا، نقدم منهج فوكوياما من خلال دراستين هما: الأولي: نهاية التاريخ ـ 1989، والثانية: نهاية الريجانية ـ 2009.

أولا: نهاية التاريخ؛ طرح فوكوياما فكرة مفادها، كيف أنه بتفكيك الاتحاد السوفيتى فانه يعتبر الديمقراطية الليبرالية قد انتصرت انتصارا نهائيا وإنها النموذج الذى يجب أن يحتذي.. فلقد سار قطار التاريخ مسيرة طويلة اختبرت فيها البشرية العديد من النظم والنماذج السياسية. بيد أن الديمقراطية الليبرالية هى النموذج الجدير بأن يكون منتهى التطور الأيديولوجى للإنسانية، والشكل النهائى لأى حكم إنساني…أى أنها من هذه الزاوية تعد نهاية التاريخ… ولأن أشكال الحكم القديمة كانت تتميز بأخطاء خطيرة وتناقضات لا يقبلها العقل فإنها انهارت… وعلى النقيض فانه بالإمكان الادعاء أن الديمقراطية الليبرالية كانت خالية من هذه التناقضات الأساسية…لا يعود ذلك لكون الديمقراطيات الثابتة اليوم، كمثل فرنسا والولايات المتحدة وسويسرا، لم تعرف لا المظالم ولا المشاكل الاجتماعية الخطيرة، ولكن لأن هذه المشاكل كانت تنجم عن التطبيق غير الكامل لمبدأى الحرية Liberty، والمساواةEquality…اللذين هما الركيزتان لأية ديمقراطية حديثة. أعلن فوكوياما من خلال كتابه، بصوت رؤيوى بحسب جون جراى أن فشل الاشتراكية يعنى نصرا مبينا لليبرالية الاقتصادية والسياسية ونهاية تطور البشرية الأيديولوجى وتعميم للديمقراطية الليبرالية الغربية باعتبارها الشكل النهائى للحكم البشري… ولكن نهاية التاريخ لم تكن كذلك فبعد 20 عاما أعلن فوكوياما نهاية الريجانية أو نهاية الليبرالية الجديدة، التى مازلنا نتمسك بها ـ وبالمناسبة لم تنتشر هذه الدراسة مثل قرينتها ـ، فماذا قال فى دراسته الثانية؟

ثانيا: نهاية الريجانية/الليبرالية الجديدة؛يعلن فوكوياما بدقة نهاية الريجانية ولا يقول الليبرالية بمعناها الفلسفى الكلاسيكى… حيث يحدد فوكوياما ثلاثة أفكار ريجانية ينبغى نبذها هي: الأولي: غياب دور الدولة فى تنظيم الاقتصاد.الثانية: إعادة النظر فى الاعفاءات المفتوحة الضريبية للأغنياء ولشركات البترول ومراعاة الفقراء. الثالثة: عدم الانجرار فى استخدام القوة كونيا والنفتاح على القوى الأخري… إذن كانت رؤيته للزمن الجديد: تجاوز نظام السوق، وإقامة نظام اجتماعى أكثر عدلا، وعلاقات دولية أكثر تعاونا.

هكذا كانت رؤية فوكوياما بعد نهاية الريجانية والتى تتناقض مع رؤيته لنهاية التاريخ، ولكن لا يهم مادامت أفكاره تجد طريقا للتنفيذ لدى الإدارة السياسية…عن أى نهاية يحدثنا فى مجلده الأخير مجلده الأخير؟ وبماذا يبشرنا حول المستقبل؟… نتابع.

 
0
0
0
s2smodern

التوافق الاقتصادى

ما إن قلت لصديقى إننى منشغل بقضية «التوافق الاقتصادى»، حتى وجدته يقول لى: «التوافق» مرة أخري…قلت: وماذا فى ذلك. فأجابني:أظننا قد انتهينا من هذه المهمة بإنجاز الدستور، بدرجة أو أخري. أجبته نعم، وقبل أن أكمل وجدته يسبقنى بقوله: «أرى أنك سوف تقول ولكن»…فأجبته: «نعم ولكن»، وبدأت فى شرح وجهة نظرى…
النص الدستورى، يعكس درجة من درجات التوافق الكلية أو العامة بين القوى السياسية والتيارات والحركات الفكرية المختلفة والمؤسسات المعتبرة فى لحظة تاريخية معينة. ولكن هذا التوافق الكلى يتكون من مجموعة من التوافقات النوعية: الاقتصادية والثقافية والسياسية والمدنية. وتزداد الحاجة إلى التوافق ـ دوماـ فى مراحل التحول/الانتقال من حالة سياسية إلى أخري: حالة «استبدادية/شمولية/سلطوية تم الخروج عليها» إلى حالة «ديمقراطية مأمولة: سياسيا ومدنيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا». وإذا كان المصريون قد استطاعوا من خلال حراك 25 يناير وتمرد 30 يونيو أن يسقطوا الاستبداد ببعديه السياسى والديني، فإنما هذا يعنى أن هناك حاجة إلى تأسيس جديد. ذلك لاستحالة العودة إلى الحالة القديمة وكأن لا شيء قد حدث. ما يعنى ضرورة التوافق على طبيعة الحالة الجديدة وجوهر علاقاتها ومضمون قوانينها وهياكلها المؤسسية المطلوبة وانعكاس ذلك عمليا وفعليا فى تيسير عملية التحول إلى الحالة الجديدة التى ناضل من أجلها المواطنون، أى الحالة الديمقراطية التى تؤمن المواطنة التى تقوم على المساواة والعدالة.وعليه فإن هناك الكثير المطلوب عمله فى شتى المجالات والمساحات للتوافق حولها، ومن هذه المجالات المجال الاقتصادي…ما الذى أقصده بالتوافق الاقتصادي؟ ومضمونه؟ وكيف؟

أولا: حول معنى وضرورة التوافق الاقتصادي؛لابد من معرفة أن كل الدول التى شهدت تغيرات حاسمة أدت إلى المطالبة بإحداث تحولات بنيوية، قد أعطت وقتا للوصول إلى توافق اقتصادي. وخاصة أن أحد أهم الدوافع الرئيسية التى أدت إلى انطلاق دورات الاحتجاج على مدى العقد الأول من الألفية الجديدة، التى تكثفت فى حراك 25 يناير كانت بسبب الأحوال الاقتصادية للبلاد…والتى كان من أهم ملامحها: تزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتدنى مستويات المعيشة، وعدم القدرة على مد الخدمات والمرافق لأكثر من ثلثى البلاد، بالإضافة إلى تراجع ما تم مده، وتراجع المساحة الخضراء إلى الحد الخطر، والاعتماد على الدخول الريعية لا الانتاجية، وارتفاع نسب الأمراض الخطيرة بين المواطنين، وارتفاع معدل البطالة، وأرقام ضخمة تعبر عن أكثر من عجز في: الموازنة، والميزان التجاري، والمدفوعات، وارتفاع الدين الداخلى والخارجي،…،إلخ. أحوال دفعت المواطنين لرفع شعار غير مسبوق يطالب بحقوق: «الكرامة الانسانية» و«العيش» و«العدالة الاجتماعية»، بالإضافة إلى «الحرية».وعليه لابد من التوافق على الرؤية الاقتصادية للبلاد بشكل تفصيلى أكثر مما جاء فى الدستور ومن خلال حوارات معمقة تسبق تكوين البرلمان…رؤية اقتصادية تضمن حقوق المواطنين على اختلافهم فى الجسم الاجتماعى.

ثانيا: حول مضمون التوافق الاقتصادي؛ لابد من الحديث حول طبيعة النظام الاقتصادى الجديد وتوجهاته، وعلاقاته الانتاجية، والقوانين المنظمة للعمل، ونظامه/أنظمته الضريبية، وسياسته النقدية، وبرامج التوظيف والعمالة، ورؤيته التأمينية بتجلياتها الاجتماعية والصحية، والسياسات الصناعية والزراعية و الثقافية والتعليمية والسكانية والإسكانية والعمرانية والخاصة بالطاقة بأنواعها، وكيف يمكن مواجهة معضلات الاقتصاد التى باتت مزمنة مثل: التضخم، والبطالة، وكيف يمكن ابتكار علاقة منضبطة بين الأسعار والأجور، والمراجعة الشاملة لقوانين الاستثمار، وكيفية تطوير القطاع المصرفي، والمراجعة الشاملة للأنظمة الأساسية للشركات العامة، وكيفية تأمين العدالة التنموية فى كل ربوع مصر…إلخ. كل هذه الملفات، وغيرها، لابد من التوافق عليها ـ بدرجة او أخرى وتستكمل بمجموعة من «التفاهمات» بين أصحاب العمل والعاملين، وبين القطاعات الاقتصادية المتنوعة، وبين الدولة والمجتمع المدنى بمؤسساته(الذى يحتاج إلى توافق على ضرورة تحديثه وتحريره ودوره المتجاوز المفاهيم الخيرية، والمجتمع المدنى أظن انه يحتاج إلى حديث آخر)، وبين منظومة الاقتصاد الوطنى ـمتضافرة العناصر ـ وبين منظومة الاقتصاد الكونى والإقليمي.

ثالثا: كيف السبيل إلى التوافق الاقتصادي؛ إن أى مراجع لتجارب التحول الديمقراطى فى العالم (تجارب إسبانيا وماليزيا والبرازيل وتشيلى وروسيا)، سوف يجد كيف ان الأوضاع الاقتصادية فى هذه البلدان كانت حرجة للغاية. لذا لزم التغيير، والدخول فى عملية معقدة مجتمعية شاملة من أجل التحول الآمن. وكان الملف الاقتصادى على رأس أولوية الحوار الوطني. وكان المشترك فى كل البلدان المذكورة هو أنه لابد من أن يكون هناك شراكة بين الجميع على «تحمل تبعات تجاوز الأزمة الاقتصادية. على أن يتم ذلك بصورة عادلة بين الجميع دون تمييز» (راجع وثيقة مونكلوا الإسبانية ـ 1977)، بين كل الطبقات الاجتماعية والتكتلات النوعية وجماعات المصالح. ولا يستقيم ذلك إلا بالتوافق الاقتصادى من خلال فتح حوار وطنى حول كل الملفات التى تتعلق بالشأن الاقتصادي. ويتم إصدار وثيقة تعبر عن ذلك تكون دالة وإرشادية وحاكمة وتفصيلية للعمل للسلطتين التشريعية والتنفيذية على التوالى… ونتابع…

 
0
0
0
s2smodern

مصر: الحيوية الكامنة والحياة الثرية

سألنى صديقى، ماذا لديك من أفكار هذا الأسبوع. لم انتبه لسؤال صديقى، حيث كنت افكر أن أبتعد عن كل القضـــايا السـاخنة هذا الأسبوع… فاليوم هو أول أيام عيد الأضحى المبارك، أعاده الله على كل المصريين بالخير والتقدم والنماء…كما نحتفل أيضا بالذكرى الـ41 لحرب أكتوبر.
لذا، لماذا لا نبتعد قليلا عن القضايا الساخنة.

0
0
0
s2smodern

الشفرة الشبابية..حلها «الحوار»

الشكر واجب لقيادات مؤسسة الأهرام فى تبنى مبادرة حوارية مباشرة مع مجموعة منتقاة من الشباب الذين يمثلون التيارات السياسية المختلفة، والذين كانت لهم مشاركات قيمة وثمينة فى كل من حراك 25 يناير وتمرد 30 يونيو…

0
0
0
s2smodern