الشفرة الشبابية..حلها «الحوار»

الشكر واجب لقيادات مؤسسة الأهرام فى تبنى مبادرة حوارية مباشرة مع مجموعة منتقاة من الشباب الذين يمثلون التيارات السياسية المختلفة، والذين كانت لهم مشاركات قيمة وثمينة فى كل من حراك 25 يناير وتمرد 30 يونيو…


وقد تميزت هذه المبادرة بثلاث ميزات كبيرة، أولاها: أنها فتحت مجالا لا سقف له كى يعبر الشباب عن نفسه بأريحية تامة: «تصوراتهم وتخوفاتهم»، فى إحدى المؤسسات الصحفية القومية العريقة. ثانيتها: أن اللقاء تم هندسته متحررا من نمطية لقاءات سابقة، حيث يتحدث الشباب ويقوم جيل الكبار بالتعقيب ـ وفى الأغلب التصويب ـ على ما يقولون. ثالثتها: دعم عملية التحول الديمقراطى الذى لا يمكن أن ينجح دون أن تكون الكتلة الشبابية ـ بتنويعاتها ـ حاضرة كطرف أصيل فيها. وهو ما حاولنا أن ننبه له مبكرا بأن «شباب اليوم» يحتاج إلى مقاربة جديدة، لأنهم يعبرون عن سياق مغاير. وهوما خلصنا إليه منذ وقت مبكر من خلال متابعتنا لكتابات كثير من الشباب وشهاداتهم، بالإضافة إلى الاحتكاك المباشر مع كثيرين من رموز التغيير من الشباب… وهو ما حاولنا أن نعبر عنه فى مقالات ثلاثة مطلع هذا العام: أولا: المسالة الشبابية فى مرحلة التحول، وثانيا: من يستطيع أن يوقف المطر، وثالثا: ساحات حرة وسياسات عادلة. وبالصدفة كان مقالنا الأسبوع الماضى حول هذا الموضوع أيضا (كن عقلانيا واطلب المستحيل)…

أما عن مضمون ما قاله الشباب ـ فى ملتقى الأهرام ـ فيمكن أن نشير إلى أربع ركائز أساسية تشكل فى المجمل أطروحات الشباب على اختلافهم من جهة، وأنه لا يمكن فهم شفرة الكتلة الشبابية الطالعة إلا من خلال هذه الأفكار المفتاحية، من جهة أخري، وذلك كما يلي:

الركيزة الأولي: «التظاهر» أكثر من مجرد تعبئة جماهيرية إنه أساس لشرعية ما هو قائم»؛ فكل من «حراك 25 يناير» و«تمرد 30 يونيو»، قد تأسسا على أساس الدعوة إلى التظاهر الجماهيرى العابر للطبقات والأجيال والأديان،… إلخ. وقد تشارك المواطنون، أولا، ثم لحقت بهم أعمدة الدولة الحديثة فى الدعوة إلى التظاهر، دفاعا عن الدولة الوطنية، وعليه ليس من المنطقى أن يصدر قانون التظاهر بصورته الراهنة، وهو أمر يتناقض مع شرعية الجمهورية الجديدة، لذا كان هذا الموضوع تحديدا هو الهم المشترك لكل الحاضرين دون استثناء، وفى هذا المقام، يبدو لى أن الشباب ـ ضمنا ـ يؤكدون «ضرورة فك الارتباط بين الحرب على الإرهاب ومواجهة العنف ـ فهى ليست محل خلاف ـ وبين قانون التظاهر كأحد آليات العملية الديمقراطية.

الركيزة الثانية: «انقضاء زمن الذهنية العقابية»؛وأقصد بذلك أن رفض القانون يتجاوز الرفض فى ذاته إلى رفض الذهنية العقابية الحاكمة للقانون، وهو ما أكده الالحاح على تفنيد القانون ومدى ما به من عوار، ودلالته غير اللائقة بما جرى فى مصر من تحولات كبري، فالمجتمع بما يدور فيه من حركية مجتمعية جديدة تتنوع تعبيراتها تحتاج إلى الاستجابة المبدعة والداعمة، فعالم الجمعيات الأهلية والأحزاب الذى نألفه…أضيف إليه عالم جديد تتنوع أشكاله التنظيمية وتتداخل منها: المبادرات النوعية، وجماعات الضغط، وجماعات التواصل الإلكترونى، والاحتجاجات الفئوية،…إلخ. وهو أمر يعبر عن مجتمع مفتوح ومتجدد يحتاج إلى سلطة غير مغلقة أو مقيدة… حيث زمن المواطنة «الفعل» قد انطلق مع 25 يناير من خلال تحرك جماهيرى من أسفل تأكد فى 30 يونيو…فلا ينبغى أن يقابل ذلك بعقوبات وإنما بإطلاق حوار مجتمعى تفاعلى توافقى حول تنظيم حركة المواطنين.

الركيزة الثالثة: «التمكين»؛ فلقد أثبت الواقع اننا نفتقد إلى آلية منضبطة تؤمن حق الشباب الذين باتوا أغلبية عددية من جانب، ويشكلون بحكم عوامل كثيرة، «دنيا جديدة» «عالم جديد»، متحررة من كل ما هو قديم، فى أن يتولوا مواقع هامة ومؤثرة فى البنية المجتمعية بمستوياتها المتنوعة بحسب الكفاءة، لذا لجأ البعض إلى «التوريث»، وإلى «العلاقات القرابية»، وإلى مدى الاقتراب من الأقلية الحاكمة الضيقة فى شتى المجالات والمستويات، لا إلى الكفاءة فى إتاحة الفرص للشباب. كما امتد الشباب بالمفهوم كى يعالج الواقع المعيشى أو المسألة الاقتصادية الاجتماعية للمصريين وفى القلب منهم الشباب، وهو ما اتفق فيه الجميع على اختلافهم السياسى.

الركيزة الرابعة: الواقع بصورته المباشرة هو ما يحكم تصورات الشباب؛يتعامل الشباب مع الواقع دون «تجميل»، ومع النتائج المباشرة للتوجهات والسياسات التى يتم إقرارها، لذا فاللحظة الزمنية مكثفة جدا لديهم وتركز على الحاضر بصورته المادية المباشرة، لذا جاءت تعليقاتهم حول الواقع مباشرة وواضحة وصريحة لا تحتمل أى لبس منها: «الشباب لم يستشعر اى تحسن اقتصادى» الوضع الداخلى لم يصبه تحسن» إلخ، كما أن الصورة واضحة أمامهم فى كثير القضايا مثل: دور رأس المال فى العملية السياسية، وضرورة العناية بقضية العدالة الانتقالية،… إلخ.

جولة حوارية أولى مفرحة، هادئة مزدحمة بالقضايا الجادة… نتمنى أن تستمر… ونتابع…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern