الثورة المضادة تعبير لها تاريخ فى الأدبيات السياسية. استخدمه الكثيرون من المفكرين فى معرض تحليلهم للتفاعلات التى تجرى على أرض الواقع فى سياقات مجتمعية مختلفة بين القوى الثورية الداعية للتغيير والتقدم وبين القوى التى ترى أن التغيير سوف يجور على مصالح تراكمت عبر عقود ومن ثم لابد من وضع العديد من العراقيل حتى لا تؤتى الثورة ثمارها. وهو أمر معتاد فى كل دولة عرفت الخبرة الثورية.
فى لحظات الارتباك الكبرى التى تشهدها الأوطان ربما يكون من المفيد الاطلاع على خبرات وتجارب الآخرين. فى هذا السياق وقع فى يدى كتاب مهم عن الديمقراطية التشاركية فى مواجهة الديمقراطية النخبوية دروس من البرازيل. الفكرة الأساسية فى هذا الكتاب تقول إن محطات التغيير الحاسمة فى حياة الشعوب ترتبط بالقدرة على التوحد والدمج بين القوى الاجتماعية والسياسية المختلفة وخاصة فى مواجهة نظام قديم كان يكرس الإقصاء لصالح شبكة امتيازات مغلقة. وأن الديمقراطية هى حالة تحول دائمة ديناميكية تعمل على دمج قوى اجتماعية وسياسية جديدة تخلخل بها شبكة الامتيازات المغلقة من خلال ما يعرف بإعادة تكييف البنية المجتمعية برفع قدراتها الدمجية للقوى الجديدة أو ما يعرف بـInclusionary Adaptation
دوما كنا نؤكد على ضرورة تجاوز حصر مفهوم المواطنة فى بعدها المعنوى والمشاعرى. وعدم الاكتفاء بالتعريف الساكن والنمطى والتقليدى للمواطنة الذى يحصرها فى «الانتماء» و«الولاء»…إلخ. فبعد اطلاعنا على خبرات الآخرين وعلى الأدبيات الخاصة بالمواطنة، أدركنا أن المواطنة هى تعبير عن حركة المواطنين أو هى ممارستهم اليومية النضالية- فى تعريف اجتهدنا فيه- من أجل اكتساب الحقوق بأبعادها، وتحقيق المساواة على كل المستويات، وتأمين اقتسام الموارد العامة للبلاد فى ظل مشاركة سياسية ومدنية فاعلة وفعالة، فى سياق اقتصاد إنتاجى، ومجال عام وسياسى يتجاوز الانتماءات الفرعية.
يبدو لى أن تعدد الأطروحات الدستورية والفكرية التى تحاول أن تعبر عما أنجزه شعبنا بتعدديته من جهة، وأن تضع صياغات لقيم ومبادئ يتم التوافق عليها من جهة أخرى، إنما تعكس أن هناك طلبا وحاجة لمثل هذه الأطروحات. قد نتفق على أن يكون الدستور أولا والانتخابات لاحقا أو العكس، ولكن تظل هذه الأطروحات ضرورة.