وماذا يحدث فى فرنسا؟

قد يظن البعض أننى سوف أتحدث عن بطولة أوروبا لكرة القدم التى تستضيفها فرنسا منذ الأمس ولمدة شهر...وواقع الأمر حديثى عن فرنسا يتناول ما يحدث فيها منذ ثلاثة أشهر...وظنى أنه يمثل إرهاصة لتحولات كبيرة ليس على مستوى فرنسا فقط وإنما ستتجاوز آثارها فرنسا إلى أوروبا وباقى قارات العالم.

تتعرض فرنسا منذ مارس الماضى وإلى الآن ـــ لاحتجاجات شبابية وعمالية مستمرة والتى تنافس البطولة الكروية من حيث الاهتمام الإعلامي...خاصة وأن البطولة الكروية محددة بوقت تنتهى فيه بإعلان الفائز...بينما ستمتد هذه الاحتجاجات وسيظل الصراع قائما لفترة غير قصيرة...

بدأت قصة الاحتجاج الشبابى العمالي، فى نهاية مارس الماضي. عندما أعلنت وزيرة العمل الشابة ميريام خمرى (من مواليد 1978ومن أصل مغربى وعينت وزيرة للعمل فى سبتمبر 2015). وهو القانون الذى يعتبره البعض ’’ انحيازا مطلقا‘‘ إلى سياسات تحرير الاقتصاد فى اتجاه يصب لصالح رجال الأعمال والمال واستثماراتهم، من جهة، وعلاقة العمل بينهم وبين من يعملون عندهم، من جهة أخرى...كيف؟، باختصار نشير إلى أمرين هما:

أولا: فيما يتعلق بعلاقة العمل بين أصحاب العمل والعاملين؛يميل القانون الجديد إلى تحرير أصحاب العمل من أية التزامات تجاه العاملين "بتفريغ" عقود العمل من أية حقوق، من خلال عدة أمور: أولها، الأخذ بالعقود المؤقتة الخالية من أية التزامات تجاه العاملين. وثانيها: منح الحق لأصحاب العمل فى "تسريح" من يرون بلا ضوابط(وهو ما عرف بالتسريح الاقتصادى تحت العديد من الحجج ). ثالثها: التراجع ــ الذى وصفه البعض بالتاريخى عن الضمانات الاجتماعية والتأمينية التى عرفتها دولة الرفاه الأوروبية والإخلال فى المجمل بآلية العدالة التوزيعية.

ثانيا: فيما يتعلق بالاستثمارات الاقتصادية؛ فلقد طرح السياسيون الفرنسيون منهجا "لتحرير الاقتصاد من أية قيود وضوابط تنظم حركة رأس المال". وفى سبيل ذلك تولت القوة السياسية الحاكمة إعداد تشريعات قانونية تيسر أطروحة التحرير الاقتصادى "المطلق". تشريعات تمثل "امتدادا" لما بدأته فرنسا فيما عرف آنذاك ـ "بقانون إلغاء القيود المالية". وهو القانون الذى فتح الطريق أمام الرأسمال الأجنبي.

كان يمكن للقانون أن يمر، مثله مثل أى قانون لا يعبر إلا عن مصالح القلة ويتعارض مع حقوق وحياة الأغلبية. وذلك فى إطار الصراع السياسى الحزبى والنقابى ومن خلال آليات التمرير التى دأب عليها دهاة ودهاقنة السياسة.

إلا أن ما جرى فى فرنسا، ولم يزل، جد خطير ومهم للأسباب التالية: أولا: لأنه فى واقع الأمر قد ’’مس‘‘امتيازات تاريخية ناضل من أجلها المواطنون على مدى قرون.وربما نقول إنه "تجرأ" واقترب من ثالوث القيم الفرنسية المرجعى والتاريخي: الحرية، والإخاء، والمساواة، لصالح اعادة الاعتبار "للأوليجاركية" (القلة الثروية والاحتكارية الحاكمة). ثانيا: التمييع/ التماهى السياسى بين اليمين واليسار الفرنسى الحاكم. وهو ما أدركته الأجيال الجديدة فى فرنسا. فالتعددية الحزبية فى صورتها الراهنة فى حاجة إلى إعادة نظر. خاصة وأن الحزب الاشتراكى هو عراب هذه التعديلات، وهنا المفارقة. ومن ثم باتت هناك ضرورة أن يحدث التمييز والتمايز بين الاتجاهات الفكرية والسياسية.

فيما يتعلق بتحيزاتها. ثالثا: إعادة النظر فى الصيغة الحزبية التى تتشكل من الثنائية الحصرية/ التبادلية: "الجمهوريون ـــ الاشتراكيون"، لصالح تعددية سياسية أكثر تنوعا. إذن، نحن أمام أزمة بدأت بخلاف حول قانون العمل. وتحولت إلى حركة مناهضة شاملة للمنظومة الاقتصادية/السياسية القائمة...ملامح هذه المناهضة تمثلت فى "اعتصام" دائم فى ساحة الجمهورية بفرنسا. وتأسيس حركة ’’الواقفون ليلا‘‘، والتى يصفها الإعلام الفرنسى بأنها حركة: "فتية". فعناصرها الرئيسية من الشباب. والأهم أنها فتحت المجال أمام طلبة المدارس الثانوية للانضمام إليها كذلك الموظفون. كما جددت حركة "الواقفون ليلا" النشاط فى النقابات المهنية لتدخل كطرف مفاوض فى الجدل السياسى حول قانون العمل المطروح.

بالتوازى تعددت الاضرابات فى قطاعات النقل والطيران،...،إلخ. وتشير استطلاعات الرأى أن 70% من الفرنسيين يعارضون قانون العمل. وإذا كان هؤلاء المعارضون يريدون الانتصار فى هذه المعركة المصيرية وهى فعلا مصيرية. عليهم أن ينظموا أنفسهم بعيدا عن الأحزاب التقليدية التى انحرفت عن مبادئ الثورة الفرنسية وتراجعت تاريخيا عن نضالات المواطنين الحقوقية.

من هنا، ظهرت رغبة الأجيال الشابة فى التأسيس لحياة سياسية جديدة. فالنقاشات العلنية "الميدانية" تعكس رؤية تتضمن الآتي: أولا: النقد الشديد للديمقراطية التمثيلية التى لا تعبر إلا عن مصالح القلة. وثانيا: أنه آن الأوان للتفكير الجدى فى الأخذ بالديمقراطية التشاركية فكرا وفعلا. ثالثا: توسيع القبول بشرعية التشكيلات الحركية المتنوعة التى باتت تتكون خارج الأحزاب التاريخية التقليدية. رابعا: كسر الحصار الخفى المانع من امتداد حركة المناهضة إلى الضواحي.

ما سبق، هو ما يحدث فى فرنسا. والذى بات يقلق اوروبا. وهو ما لمحته فى زيارتى لهولندا الأسبوعين الماضيين...واظنه لا يبتعد كثيرا عن ما كتبته عن الشبيبة الأمريكية منذ ثلاثة أسابيع حول موقفها من الرأسمالية، كذلك ما كتبته عن ما يحدث فى البرازيل منذ أسبوعين. إنها إرهاصة تحولات مجتمعية جديرة بالتأمل.. ونتابع.

0
0
0
s2smodern

تعرية القديم

لدىّ قناعة أننا نعيش مرحلة تتسم بالجدل الحاد. ليس على مستوى الحوار فقط، الذى نمارسه جميعا طوال الوقت. وإنما بات يصل إلى درجة ما يعرف بالجدل الفلسفى. فكل قضية تصعد على سطح الواقع تجد اشتباكا حادا حولها يعكس الرأى ونقيضه، والمعالجة ونقيضها. إنها الظاهرة التى وصفتها فى أكثر من مقال تحت عنوان: «قديم ينازع وجديد يصارع».. خذ أى قضية من القضايا التى يتم الجدل حولها بين المصريين. فإننا سوف نجد جدلا حادا يتراوح بين رؤية قديمة يتم استدعاؤها من الماضى من قبل فريق. ورؤية تحاول أن تطرح رؤية مغايرة لما دأبنا عليه. إنها «اللقطة» التى أظنها تمثل قلب الصورة العامة المصريين.

0
0
0
s2smodern

أحمد عبد الله رزة.. الغائب الحاضر

فى الخامس من يونيو من سنة 2006، غاب عن عالمنا المفكر والمناضل الكبير أحمد عبد الله رزة (1950 ــ 2006). غاب بالجسد، ولكنه يظل حاضرا حضورا طاغيا، بدوره الوطنى التاريخى المركب.

0
0
0
s2smodern

الأحزاب والغياب...(6): نزعة «اللاتسييس» تدمر الحزبية والسياسة معًا

«نزعة اللاتسييس»؛ تعبير أطلقه المنظر والمناضل السياسى الإيطالى أنطونيو جرامشى (1891 ـــ 1937)، فى وصف الكتلة المجتمعية التى لا تعرف أن تنظم نفسها من أجل الدفاع عن مصالحها الاقتصادية والاجتماعية. ويعود عدم معرفتها إلى غياب الوعى بمصالحها ومن هم خصومها الاقتصاديون، أو أنها غير قادرة على التفاوض المجتمعى، عبر قنواته المتعارف عليها وعلى رأسها الحزب، لإدارة مصالحها إما لأنها لم تدرب عليه أو تخشى نتائجه، أو لأن المجتمع لم يدخل بعد الحداثة ومن ثم تسلم الكتلة المجتمعية أولى الأمر إدارة شؤونها،

0
0
0
s2smodern