أن يتحول مصدر العنف من جماعات منظمة ومسلحة إلى مجتمعية يقوم بها مواطنون عاديون على المستوى القاعدى. وأن تتغير طبيعة العنف من استهداف ممنهج ومحدود إلى «عنف شامل» يتجاوز أهداف بعينها إلى عناصر مجتمعية متنوعة: البشر، وأماكن العبادة، وأماكن الإقامة... إلخ. فإنه علينا أن نعلن «الاستنفار» على جميع الأصعدة.. لماذا؟.. لأن هذا يعد أولا: تحولا نوعيا فى طبيعة العنف وما سيترتب على ممارسته. وثانيا: يكشف لنا أن المعالجات التى دأبنا على استخدامها باتت غير صالحة. وثالثا: يشير إلى أن السياق المجتمعى «المُتخيل» لم يعد موجودا.. ما يستدعى «إطلالة طازجة» على الواقع. ومن ثم رؤى وتصورات وأفكار وسياسات وممارسات جديدة.
مع كل واقعة توتر دينى تحدث على أرض مصر المحروسة.. مصر التعددية.. يحتار المرء ماذا يكتب. فلقد اجتهدت، مع غيرى، ومن قبلنا أساتذتنا، فى فهم أسباب التوترات وتداعياتها، كذلك محاولة تقديم الحلول المناسبة لها. ولكن كان هناك، دوما، «تعالٍ» على هذه الاجتهادات. ما أدى إلى أن نصل إلى وضع «صراعى مفتوح» ينزع فيه طرف إلى إقصاء الطرف الآخر ويسلبه، ليس حق العبادة فقط، وإنما حق الوجود من خلال قتل الآمنين وتدمير ممتلكاتهم. وما مشهد الصلاة فى الشارع على الموتى وسط الأطلال إلا شاهد على خطورة الأحوال، خاصة أن كل هذا يتم فى إطار المجال العام وعلى مرأى ومسمع من الجميع. وهو مشهد- أظنه- يختلف كليا عن بدايات انطلاق التوترات الدينية فى سنة 1970. فمن هجوم مخطط من قبل جماعات العنف كان محل إدانة جماعية إلى نزعة تدميرية تقابل بصمت مثير. ما يدفع كل وطنى مخلص إلى ضرورة الانتباه إلى أن هناك تحولات جادة فى طبيعة التوترات الدينية من جهة. ومن جهة أخرى إلى تراجعات حادة فى معالجتها. وأصلا فى ضرورة الوقاية منها.
يحسن فوكوياما، ولاشك، توصيف المشهد العالمى المعاصر. كما يحسن توظيف الإحالات التى يستعين بها سواء من نتاجات الفلسفة السياسية اليونانية القديمة أو الوسيطة أو الحديثة أو المعاصرة. كما أن لديه القدرة المعرفية والمنهجية على ديباجة أطروحته وتمرير ما يود أن يمرره للقارئ. الأمر الذى مكنه أن يتراجع عن أطروحته الشهيرة نهاية التاريخ (1989)، فى دراسته اللاحقة نهاية الريجانية (2009)... ما دفعنا أن نُطلق عليه مؤلف النهايات...
رحلت عنا فى الأسبوع الماضى مارى أسعد (1922 ــ 2018)، إحدى أهم من عمل فى التنمية فكرا وممارسة على مدى عقود.. كانت كيانا حقيقيا من «لحم ودم» ذات «ضمير حى»، ولديها «الحس الاجتماعى» اليقظ بأن هناك: «ظلم وإهانة» ممتدة تقع على المرأة سواء الغنية أو الفقيرة. وأن البنية الاجتماعية السائدة تمارس نوعا من «القهر» سواء لأسباب ثقافية اجتماعية، أو لأسباب اقتصادية، أو للاثنتين معا على الفئات الهشة ومن ضمنها المرأة عموما. وعلى الفقراء منهم خصوصا.