خماسية شرعية العنف

أن يتحول مصدر العنف من جماعات منظمة ومسلحة إلى مجتمعية يقوم بها مواطنون عاديون على المستوى القاعدى. وأن تتغير طبيعة العنف من استهداف ممنهج ومحدود إلى «عنف شامل» يتجاوز أهداف بعينها إلى عناصر مجتمعية متنوعة: البشر، وأماكن العبادة، وأماكن الإقامة... إلخ. فإنه علينا أن نعلن «الاستنفار» على جميع الأصعدة.. لماذا؟.. لأن هذا يعد أولا: تحولا نوعيا فى طبيعة العنف وما سيترتب على ممارسته. وثانيا: يكشف لنا أن المعالجات التى دأبنا على استخدامها باتت غير صالحة. وثالثا: يشير إلى أن السياق المجتمعى «المُتخيل» لم يعد موجودا.. ما يستدعى «إطلالة طازجة» على الواقع. ومن ثم رؤى وتصورات وأفكار وسياسات وممارسات جديدة.

(2)

لم يكن «التحول» فى مصدر وطبيعة العنف مفاجئا. فلقد رصدنا فى واقعة ديروط نهاية الثمانينيات (فى ظل المرحلة الثانية من التوتر الدينى: مرحلة الاحتقان الممتد والتى أتت بعد مرحلة انطلاق العنف الدينى) أن هناك خطة- تكاد تكون ممنهجة- لتفريغ الصعيد من نخبته المدنية التاريخية أو طبقة ملاك الأرض التى ساهمت بقدر من التحديث فى حواضر الصعيد البازغة. فسارعت ببيع أراضيها وهاجرت إلى المدن الكبيرة تاركة أراضيها لما يمكن أن نطلق عليهم: «الوجهاء الجدد» الذين اتسموا بالمحافظة الثقافية. ومع مرور الوقت، ولأسباب كثيرة، بدأت «مرحلة التناحرات القاعدية» فى عام 2007 بين المواطنين فى صراع مفتوح على أرضية المجال العام. وهنا تعددت أسباب «التناحر». وقد عددنا فى دراسة موسعة «تسعة» أسباب كما يلى: أولا: بناء الكنائس أو شائعة بذلك. ثانيا: خلافات مجتمعية يمكن أن تحدث بين المتماثلين فى الدين تتحول إلى توترات دينية متى حدثت بين المغايرين دينيا. ثالثا: التمييز الدينى. رابعا: صراع على الأرض كما هو الحال فى واقعة أبو فانا بالمنيا (جرت بين الرهبان والعربان). خامسا: أطروحات فقهية متطرفة/ شاذة مثل التعييد على غير المسلمين. سادسا: سجال دينى. سابعا: الضغط عل الدولة وإحراجها. ثامنا: العلاقات العاطفية بين المختلفين دينيا. تاسعا: التحول الدينى.. وقد ساهم فى وصولنا إلى هذه المرحلة الرابعة ما سبقها من مرحلة السجال الدينى والتى ساهمت فى خلق ثقافة مجتمعية مانعة لـ: أولا: إعمال القانون، وثانيا: لبناء الجسور، وثالثا: لتجديد رابطة المواطنة التى تجلت فى كثير من المراحل التاريخية بين المصريين على اختلافهم فى مواجهة الاستعمار، والاستبداد، والحكام الوافدين.. فما هى عناصر هذه الثقافة المجتمعية المضادة المانعة أو ما يمكن أن نطلق عليه «أيديولوجيا العنف» لثقافة التيار الرئيسى الاعتدالية؟

(3)

هناك خمسة عناصر حاكمة «لأيديولوجيا العنف»، تم نسجها على مدى نصف قرن لتشكل مرجعا جامدا لتجليات سوداء نرصدها كما يلى: أولا: «الانقطاع» عن كل المختلفين (غير المتماثلين)، ومع المجتمع، وقيمه، والسياق الدولتى القائم وتاريخ النهوض الوطنى الذى اتسم ببناء الجسور بين المصريين. ثانيا: «احتكار الحقيقة» ورفض الحوار بالمطلق. ثالثا: ممارسة «الإكراه» مع المختلفين فى الرأى والعقيدة والدين. رابعا: «الاستئثار» بالمطلق وامتلاكه ومن ثم الحق فى عقاب كل من تسول له نفسه أن يخالف رؤيتهم ومشروعهم. خامسا: «الغلبة» من خلال الحكم قسرا وبالتوازى مع كل ما هو قائم من سلطات ومؤسسات.. نمت هذه الأيديولوجيا فى غيبة التنمية، والتعليم، والثقافة، والإعلام، وفى تحدٍ سافر للأجهزة المعنية. وبتوظيف مدروس من الوجهاء الجدد لفرض هيمنة مجتمعية عند اللزوم.. ما أدى لانتشار «نزعة تدميرية» مقيتة، نتحدث عنها لاحقا. وعن أهمية تطوير المعالجات وفقا للمستجدات.

 
 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern