يا «فاشيو» العالم اتحدوا...

جرى العرف عندما يتقاعد سياسى ما فى العالم الغربى، أن يتفرغ لأعمال الخير لصالح مؤسسات تعمل فى الأعمال الخيرية المتنوعة، أو يؤسس مؤسسة تحمل اسمه فى مجالات: حقوق الإنسان، أو التنمية. أو يعمل مستشارا فى أحد مراكز التفكير... إلا أن «ستيف بانون» (1953)، العقل المدبر لترامب أثناء الحملة الانتخابية، وكبير المستشارين فى البيت الأبيض فى الفترة من يناير إلى إبريل 2017، قام بخطوة أبعد من ذلك بكثير. فلقد أعلن قراره، مطلع أغسطس الجارى، بتأسيس مؤسسة «حركة» فى بروكسل ببلجيكا. وتهدف هذه المؤسسة إلى «تعبئة الفاشيين فى أوروبا» لتشكيل ائتلاف سياسى، فيما بينهم، عابر للحدود. وذلك من خلال تنسيق ودعم عمل الأحزاب اليمينية الأوروبية المتطرفة. على أن تكون أول مهمة على المؤسسة إنجازها الفوز بأكبر مقاعد ممكنة فى انتخابات البرلمان الأوروبى المزمع عقدها العام المقبل.

(2)

وقد أثارت خطوة «بانون» جدلا كبيرا فى أوروبا. ذلك لأنها تمثل «بعثا»، لتيار سياسى متطرف أدانه الضمير الجمعى الأوروبى والإنسانى تاريخيا، من جهة... ومن جهة أخرى، اعتبرها البعض تدخلا أمريكياــ غير مباشر ــ فى الشأن الأوروبى السياسى. وما يزيد من الجدل سخونة سيرة الرجل وقناعاته. فمن جانب، سوف يلحظ القارئ لسيرة «بانون» الذاتية كم هى سيرة «ملتبسة». ومن جانب آخر، تعكس قناعاته المعلنة مدى تطرفه. فالرجل أعلن «انبهاره» بشخصية موسولينى الفاشى. ودعمه للمتطرف البريطانى «تومى روبنسون» المحبوس على ذمة قضية استخدام العنف تجاه المختلفين، واعتباره «عمودا فقريا لبريطانيا». ونداؤه «الشاذ» للتجمعات القومية الفاشية الأوروبية «دعوهم يطلقون عليكم العرقيون القوميون...فلا ينبغى الخجل من ذلك فكراهية المختلفين واجب ومهمة مقدسة»...

(3)

وعلى الرغم من احتفاء الكثير من الحركات القومية الفاشية البازغة، ممثلة فى حزبى «الشعب» البلجيكى (وزعيمه ميكائيل مودريكامان والذى يعده المراقبون الشريك الأوروبى الرئيسى لبانون) وحزب «البديل من أجل ألمانيا». إلا أن هناك حركات أوروبية قومية أخرى لا ترى لبانون «مكانا فى الحياة السياسية الأوروبية». كما عبرت كثير من التعليقات السياسية والأكاديمية على خطوة «بانون» بأن هناك اختلافا جذريا بين السياق الاجتماعى والسياسى الأوروبى ونظيره الأمريكى. ومن ثم يختلف كليا تطورهما التاريخى. وعليه تقوم الأحزاب والحركات الأوروبية على التمايز الطبقى الصريح. مهما رفع بعضها من شعارات ذات طابع قومى أو شعبوى أو حقوقى. بينما الأمر مغاير تماما فى الحالة الأمريكية. فالأحزاب هناك يمكن أن تجمع فى عضويتها بين شرائح اجتماعية متناقضة. كما أن الحركات هناك هى أقرب إلى تكتلات تصويتية متماثلة العناصر.

(3)

ولعل أخطر ما أثارته مبادرة بانون أنها تريد أن تحول النظر عن أزمة الرأسمالية الراهنة واختزالها فى مجرد إشكالية ثقافية قومية. كما أنها تؤسس لسابقة تاريخية بإعلان «الائتلاف الفاشى» العابر للمحيطات واعتبار عناصره القاعدة الاجتماعية الرأسمالية قومية ترفع شعارات وطنية مضللة. كما تقطع الطريق على الرأسمالية التى تحاول أن تصوب المسار. وأظنها هى نفسها التى تروج لنهاية الديمقراطية. لذا ليس من قبيل الصدفة أن يهاجم «بانون» وأعضاء ائتلافه المنتديات الدولية التى تدير نقاشات لمراجعة الرؤى والأفكار والسياسات الراهنة. كما لا يمكن التغافل عن أن مبادرة بانون هى «اجتراء» على الشأن الأوروبى فى لحظة خصومة مع أمريكا... فهل ستنجح مبادرة التعبئة الفاشية... هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.

 
 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern