ماري أسعد: عاشت وانحازت للمستقبل

(1)

رحلت عنا فى الأسبوع الماضى مارى أسعد (1922 ــ 2018)، إحدى أهم من عمل فى التنمية فكرا وممارسة على مدى عقود.. كانت كيانا حقيقيا من «لحم ودم» ذات «ضمير حى»، ولديها «الحس الاجتماعى» اليقظ بأن هناك: «ظلم وإهانة» ممتدة تقع على المرأة سواء الغنية أو الفقيرة. وأن البنية الاجتماعية السائدة تمارس نوعا من «القهر» سواء لأسباب ثقافية اجتماعية، أو لأسباب اقتصادية، أو للاثنتين معا على الفئات الهشة ومن ضمنها المرأة عموما. وعلى الفقراء منهم خصوصا.

(2)

وعلى الرغم من انتماء مارى أسعد، إلى الشريحة العليا من الطبقة الوسطى إلا أنها تعرضت للتهميش الثقافى والاجتماعى نظرا لنحول جسمها وميل بشرتها إلى السمار. وهو ما لا يتفق مع معايير الجمال- الزائفة بطبيعة الحال- التى وضعتها «البرجوازية العليا» لبناتها تمييزا لهن عن الباقين ممن ينتمين إلى الشرائح الاجتماعية الأدنى. ومن ثم قررت الأسرة نبذها وعدم «تختينها». حيث يعد «الختان»- تلك العادة الأفريقية الأليمة نفسيا وصحيا- علامة العفة والتصريح بالزواج...

(3)

تفاعل هذا الموقف الشخصى مع ما درسته فى المحافل العلمية حول قضايا المرأة، عموما، وقضية «ختان الإناث» خصوصا، وخلصت إلى أنه لا مفر من أنه إذا أردنا مستقبلا أكثر عدالة «للمهمشين» إلا بالتكامل بين «المعرفة والممارسة الميدانية المباشرة وسط هؤلاء المهمشين». ليس من منطلق «الشفقة»: شفقة الأغنياء أو القادرين على الفقراء. أو «الإغاثة»: إغاثة الأجهزة البيروقراطية المدنية والدينية ذات الطابع الميكانيكى والإجرائى. وإنما من منطلق التغيير الحقيقى نحو مستقبل أفضل.

(4)

وعليه آمنت مارى أسعد بأن الطريق للمستقبل يقوم على، أولا: تنمية الإنسان كل الإنسان، وثانيا: توفير المعرفة له وإثارة الوعى لديه وتشكيل «وعى بديل» يؤسس للمستقبل الأفضل. وثالثا: تهيئة كل السبل لإطلاق قدراته الكامنة.. ومن خلال احتكاكاتها الدولية تعلمت كيف تحول «الأفكار المُحلقة» إلى واقع حى. وكيف تحشد طاقات الحلفاء للانطلاق نحو المستقبل. وكيف تكتشف المواهب وتتبناها وترعاها وتقدم لها الفرص الحقيقية كى تتقدم الصفوف. وفى هذا المقام- أظنها- كانت تقدم نموذجا فريدا فى صدق «التوارى» عن المشهد طالما هناك من هو قادر على أن يحمل المسؤولية. كذلك أهمية «التعلم الدائم». ولا أنسى «اتصالاتها الهاتفية» الصباحية المبكرة الدورية التى تحمل بعدا إنسانيا «حنونا»- بالأساس- يظهر جليا فى صوتها وعبارتها التى لا تنسى قولها «أنا باتكلم وباقول يارب ترد على». وهى العبارة التى تفتح بها العديد من الأسئلة التى تبحث فيها عن إجابات حول موضوع فى الأغلب يكون محل اهتمامى. كما لو كان «قلبها حاسس» بأنه يشغلنى. وكانت مهارة «مارى» فى عدم جعل الحوار يميل إلى اليأس، أو النميمة، أو... إلخ. حيث تتجلى مهارتها فى جعل الحديث مفيدا ومثمرا وإيجابيا. فكانت الأفكار والحلول والبدائل تنطلق بسلاسة ويسر.. كانت حريصة على المستقبل حرصا كبيرا. فانحازت له بالتمام. فكانت رسالتها فى العشرين عاما الأخيرة هى كيف يمكن تعبيد طريق المستقبل للأجيال الجديدة.. لذا كنا لا نراها تكبر قط. كما كنا نراها تحمل أملا فى المستقبل الأفضل يجدد طاقاتنا بإعادة المحاولة مجددا...

رحلت مارى أسعد والتى تعد من «سلسال بناة مصر» الذين قدموا الكثير والكثير والكثير.. الذى يتوجب توثيقه وتقديره لمستقبل هذا الوطن.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern