(1)
هذه السلسلة من المقالات أوجهها إلى المواطن المصرى: الشقيان، التعبان، الذى تحرك فى موجتين جماهيريتين (أسعد كثيراً باستخدام الكثيرين لهذا المصطلح الذى استخدمناه منذ الأسبوع الأول من الحراك الشبابى الشعبى الذى انطلق مطلع 2011).. موجة أولى فى مواجهة الاستبداد السياسى فى 25 يناير، وموجة ثانية فى 30 يونيو فى مواجهة الاستفراد الدينى…وكلاهما كانا «يغلوشان» على سياسات اقتصادية لا تخدم إلا قلة من جهة، وتتعاطى مع الأغلبية بمنطق «إعانى»/«خيرى» من جهة أخرى…لذا فمن الأهمية بمكان أن ندرك أنه إذا لم يأت الدستور الذى نتطلع إليه «عصرياً»، أى يأخذ فى الاعتبار تطلعات كل المواطنين ـ دون تمييز ـ بشكل يواكب جديد العصر فى كل شىء، ويصون حقوقهم وحرياتهم ويضمن لهم حياة كريمة وفق علاقات عادلة.. فإنما يعنى هذا أن دم الشهداء ونضالات المصريين لم تؤت ثمارها بعد.. فلا يستقيم أن نصنع دستوراً يبعد كل البعد عن الجيل الرابع من الدساتير لدول كنا نسبقها فى يوم من الأيام.. أو ننتج دستوراً يمثل انحرافاً عن المسار الدستورى المصرى أو نصوصه تعطى ظهرها لإجماع إنسانى كونى يتمثل فى المواثيق والعهود الدولية.
(2)
مما سبق نكتب هذا الدليل ليكون معيناً للمواطنين لتقييم المنتج الدستورى: «فلا يكون دستوراً من ورق» (بحسب جوناثان براون)، وعليه لابد من أن يكون لدى المواطن القدرة على تقييم «المنتج الدستورى»…كيف؟
أولاً: أن ينتمى ـ بداية ـ النص الدستورى إلى الجيل الرابع من الدساتير.. فإذا كان الجيل الأول اهتم بالأفكار التأسيسية مثل: حقوق المواطن والحرية والإخاء والمساواة، فلقد اهتم الجيل الثانى بمأسسة الأفكار التأسيسية وتقييد السلطة/ الحاكم.. ثم جاء الجيل الثالث ليعبر عن الحركة الصاعدة للمجتمع المدنى ويؤمّن لها الانطلاق.. والآن نجد الجيل الرابع من الدساتير يضع بالتفصيل وبشكل مؤسسى /قانونى /حداثى كل ما يتعلق بحياة المواطن وكيف تكون الدولة من جانب والمجتمع المدنى بتشكيلاته المتنوعة من جانب آخر (المتجاوزة الحزب والجمعية إلى جماعة الضغط والتحالفات والحركات والروابط والاتحادات،… إلخ) فى خدمة المواطن وعلاقاته المجتمعية المتشابكة: علاقات العمل والإنتاج والمشاركة بأنواعها… إلخ.
(3)
ثانياً: أن تتم صياغة النصوص ـ على اختلاف موضوعاتها ـ فى إطار وحدة فكرية تعكس أن هناك منهجية حاكمة لها.. لابد أن يجسد النص الدستورى بوضوح الكيفية التى سيتم تجسيدها عملياً لجعل المفاهيم حية ومطبقة على أرض الواقع.. فإذا ما تكلم النص عن العدل/ العدالة الاجتماعية فلابد من معرفة كيف نجدها مطبقة فى منظومة العمل، والنظام الضرائبى،… إلخ. لذا تميل دساتير الجيل الرابع لأن تكون طويلة لأنها تتضمن أطراً قانونية لكل موضوع من الموضوعات (مثال: الدستوران البرازيلى والهندى)، فلا يكفى الحديث عن الحكم المحلى فى بندين على أن يفصل القانون التفاصيل التى تكون فى الأغلب إجرائية، وإنما نجد فى الدساتير: البرازيلية والهندية والجنوب أفريقية، كيف تتناول الحكم المحلى: مفهومياً (اللامركزية والديمقراطية القاعدية والتشاركية الشعبية، وما إلى ذلك) ويشرح ذلك، ويفرد فى كيفية الوصول إلى جعل المفاهيم حقيقة على أرض الواقع، ويضع الإطار القانونى الملزم دستورياً عند وضع القانون تفصيلياً، فلا يترك الأمر لموازين القوى لاحقاً فتفقد المسألة معناها وتقيد ما أباحه الدستور.. ونتابع.