دليل المواطن المصرى للدستور العصرى - 4

(1)

بعد أن سردنا أنواع الدساتير وأجيالها الأربعة…ذكرنا ثلاثة معايير يمكن للمواطن المصرى الكريم أن يقيس بها ما إذا كان المنتج الدستورى «عصريا» أم لا.. كان المعيار الأول: مدى انتماء الدستور إلى الجيل الرابع من الدساتير أم لا؟.. حيث الاهتمام بالمقاربة التى تتم بها معالجة المبادئ الدستورية وتضمن الوحدة الفكرية لكامل النص الدستورى من البداية إلى النهاية.. فإذا قلنا إن «العدالة الاجتماعية» أو «مدنية» الدولة أحد الملامح الرئيسية للدستور لابد وأن يتجسد ذلك فى نصوص الدستور جميعها.. أما المعيار الثانى فكان يتعلق بمدى مواكبة الدستور لمطالب التغيير، ولجديد المصطلحات والصياغات، والأخذ بمبدأ التفصيل ـ بعض الشىء ـ فى الإطار القانونى للمبادئ الدستورية حتى لا تأتى التشريعات ـ لاحقا ـ مناقضة لها بسبب أغلبيات برلمانية متغيرة أو موازين قوى مجتمعية تميل للتقييد ومن ثم تناقض المبادئ الدستورية،..

وكان معيارنا الثالث: أن يأتى النص الدستورى متواصلا مع التراث الدستورى الوطنى.. فإذا كتب النص الدستورى بدرجة عالية من التقدم فى وقت من الأوقات لا ينبغى أن يتم الارتداد عن ذلك بكتابة دستورية أدنى مما كانت عليه.. وكأننا نبدأ الطريق من أوله، وقد عرضنا كمثال، مبدأ: «حرية الاعتقاد»؛ فى هذا المقام كيف تمت صياغته فى دستور 1923 وما آل إليه مؤخرا.

(2)

المعيار الرابع: هو الاطمئنان ألا يتضمن النص مفردات من زمن فات، أو من نصوص تشريعية تعود إلى الباب العالى أو التشريعات العثمانية، أو تعتمد نصوصا أو مفردات تتناقض مع مفهوم الدولة الحديثة أو مدنية الدولة أو المركب الحضارى المصرى متعدد العناصر، أو تتناقض مع الحريات أو جديد الموجات الحقوقية التى تم التوافق عليها كونيا، أو أن تذكر المفاهيم منقوصة،…فمثلا وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن أن نرصد ما يلى:

أولا: إذا كان نظام الدولة يقوم على المواطنة فلابد أن يتم تفصيل ماذا نعنى بالمواطنة…شريطة أن ندرك أن تحرير المصطلح من بعده القانونى الحصرى النمطى والذى يأسر المواطنة فى مفهومى: «الانتماء» من جهة و«الحقوق والواجبات» من جهة أخرى إلى ما هو أرحب وربط المصطلح بنضال المواطنين السياسى والمدنى والاجتماعى والاقتصادى.

• ما يعنى التوسع فى فهم المساواة لتشمل: عدم التمييز لسبب المكانة أو الثروة أو الجهة كما يضاف إلى العقيدة كلمة الاعتقاد أو الاكتفاء بالأخيرة، خاصة أن هذا هو التعبير المستخدم فى المادة الخاصة بحرية الاعتقاد (راجع المادة 47)…ونشير هنا إلى النص الوارد فى الدستور اليابانى من دساتير الجيل الثانى /دساتير الحرب العالمية الثانية) حيث ينص فى مبدأ المساواة ـ بالإضافة إلى ما هو متعارف عليه ـ إلى المساواة بغض النظر عن «الوضع الاجتماعى أو المنشأ الأسرى» (المادة 14 من الدستور اليابانى)…كذلك نؤكد على ضرورة تجنب استخدام تعبير الفرد / الأفراد فى النص الدستورى، واستخدام تعبير المواطن / المواطنون، على مدى النص الدستورى.

(3)

لا يصح ثانيا: استخدام تعبيرات من عينة «الأحوال الشخصية» لأنها تعبير عثمانى يقوم على تقسيم مكونات الجماعة الوطنية على أساس دينى وهو ما يتعارض فى الصميم مع مدنية الدولة…وحول هذا نحيل فى مقالنا القادم إلى اجتهاد معتبر لأحد عقولنا القانونية الكبيرة هو الدكتور سمير عبد السيد تناغو، حيث نعرض لرؤيته كاملة فى هذا المقام.. ونواصل.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern