دليل المواطن المصرى للدستور العصرى - 1

(1)

تطورت الكتابة الدستورية فى مرحلتها الرابعة لتواكب التطورات المجتمعية التى لم تكن موجودة عند التوافق على كتابة دساتير تاريخيا بين مكونات الوطن الواحد.. فلقد ركز الجيل الأول على الجوانب المدنية والسياسية والحريات والحقوق ونظام الحكم مثل: الدستوران الفرنسى والأمريكى.. وعنى الجيل الثانى، الذى ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، بضبط المجتمع وتهيئته للمستجدات البازغة وللالتزام بشرعية حقوق الإنسان ومبادئها الكونية، ويمكن أن نأخذ اليابان نموذجا.. ثم أتى الجيل الثالث ليعلن مولد المجتمع المدنى ودوره كشريك فى إدارة الدول، وذلك بعد تفكيك الاتحاد السوفيتى.. وأخيرا ولد الجيل الرابع مع انطلاق دول من الصفوف الخلفية إلى الصفوف الأمامية مثل: الهند والبرازيل وماليزيا وتشيلى وجنوب أفريقيا.

(2)

وعند قراءة دساتير الجيل الرابع وجدناها تزخر بالكثير والكثير من إبداعات العقل الدستورى.. وعليه فاق هذا الجيل الرابع- يقينا- دساتير الجيل الأول.. وتجاوزتها بالكامل من حيث: النسق العام للنص الدستورى، شمولها على موضوعات غير نمطية، الاهتمام بوجود فلسفة أو فكرة وراء المبدأ الدستورى تتسق والتوجه العام السياسى والاقتصادى والثقافى والاجتماعى للدولة، الربط بين المبدأ الدستورى والإطار القانونى له قدر الإمكان، ما يقلل أى تلاعب عند وضع القوانين لاحقا، ما قد يفسد المبدأ الدستورى أو يشوهه أو يقيده على عكس إرادة الشعوب، مواكبة جديد المواثيق الحقوقية، الحضور الوطنى فى النص الدستورى، ليس بمنطق كل طائفة تقدم مطالبها بمعزل عن الأخرى وفق تقسيم وظيفى، وإنما من خلال حضور تفاعلى يعيد «تضفير» المطروح فى إطار مركب.. كيف؟

(3)

لم تعد كتابة المبادئ الخاصة بالحقوق الصحية تكتب فى صياغات عابرة، وإنما فى إطار منظومة تتعلق بكل من الآتى: الرعاية الاجتماعية، التأمين الاجتماعى.. أخذا فى الاعتبار جديد العالم المعرفى فى كل من هذه المفردات، خاصة أن كل مفردة منها تجدد معناها مع التطور الاجتماعى والتقنى الذى تشهده البشرية…فالفهم التقليدى الذى يعود لموجات معرفية «أولى» تم تجاوزه بموجات أربع على الأقل ليس فقط فيما ذكرت من موضوعات، وإنما فى كل الموضوعات.. لذا طالت الدساتير وتنوعت وباتت تمتلئ بزخم مبدع يعكس ما طرأ على المجتمع من تطورات وتعقيدات وعلاقات.. وقد أشرنا فى مقالنا السابق إلى أن الدستور البرازيلى (فى الباب السادس: 20 مادة رئيسية، بالإضافة إلى عشرات البنود الفرعية) قد نص على النظام الضريبى بشكل شامل وتفصيلى من حيث: فلسفته، وأنواعه، وإطاره القانونى… إلخ. كذلك تم كسر المألوف والنمطى والمتعارف عليه فى كتابة الوثيقة الدستورية. فلم يعد شاذا أن توضع تعاريف لبعض المفاهيم أو يتم تفسير مواد فى بنود فرعية حتى لا يحدث التباس حولها..

(4)

الخلاصة: الكتابة الدستورية عملية مركبة، نقطة البدء فيها أن نطرح على أنفسنا سؤالا جوهريا هو: أى مصر نريد؟..على كل الأصعدة.. وفى ضوء ذلك نبدأ حوارا مبدعا يكون فرصة لانطلاق إبداعات جديدة فى شتى مساحات المعرفة.. فتصير عملية «الدسترة»، أو كتابة وثيقة دستورية عملية إبداعية عميقة.. من هنا يستهل المواطن المصرى طريقه نحو كتابة دستور عصرى.. ونتابع.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern