(1)
ذكرنا كيف أن الطبقة الوسطى نشأت من رحم الدولة الحديثة وأنها كانت جزءاً أصيلاً من الحركة السياسية، داعمة لها ومحركة لاتجاهاتها. ومع ثورة يوليو باتت الطبقة الوسطى محور اهتمامها. وشرحنا كيف أن دولة يوليو الناصرية كانت تمثل تحالفا داعم لهذه الطبقة. إلا أن دولة يوليو المضادة فكت هذا التحالف فتشرذمت بين السفر إلى الخارج: عملا وهجرة،
والتخديم على الشرائح الاجتماعية الجديدة والقديمة التى أصبحت تشكل جوهر السلطة الجديدة، وطلب المعونة من هنا أو هناك، والعزلة والاحتماء بالجماعات الأولية. ومع تطبيق سياسات الليبرالية الجديدة تم تعجيز الطبقة الوسطى. ومع انحياز الدولة فى دعم قوة نخُب رجال الأعمال الجديدة، خلقت ما يمكن تسميته «حلقة الاستثماريين الضيقة المميزة» (راجع تقرير البنك الدولى 2009). ونتج عن ذلك الكثير من التداعيات.
(2)
أصبحت النخبة الجديدة محمية بسلطة سياسية ترعاها، وبقوة مادية بوليسية تحميها. فاكتسبت القلة الثورية قوة تمكنها من إكراه الآخرين ومن السماح للبعض دون غيرهم، وهم الشريحة العليا من الطبقة الوسطى لأنها تحتاج إلى خدماتهم الفنية من إمكانية الاستفادة من الموارد فى حدود ضيقة، وإقصاء كل من الشريحتين الوسطى والدنيا. وهو ما دفعهم إلى الدخول فى دورات احتجاجية متداخلة / متعاقبة منذ العام 2004، كانت هى قاعدة انطلاق 25 يناير.
(3)
مر الاحتجاج فى ثلاث دورات أو مراحل أساسية خلال هذه الفترة: الأولى، كانت تعبر عن التبرم لدى قطاعات معينة بسبب انتمائها الأولى والذى تجلى دينيا فى البداية (مظاهرات دينية بسبب أمور تتعلق بالمقدسات المسيحية والإسلامية)، والذى سرعان ما لحقه القبلى / العشائرى والمناطقى. الثانية، سياسية وتمحورت بالأساس حول ضرورة إحداث إصلاحات دستورية وسياسية والتأكيد على عدد من المبادئ، منها حق التظاهر وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، بالإضافة إلى رفض التوريث والتمديد لرئيس الجمهورية. وتكون حركات مثل «كفاية»، و«شباب من أجل التغيير»، و«أدباء وفنانون ومثقفون من أجل التغيير»، و«مهندسون من أجل التغيير»، وحركة استقلال القضاء، وحركة «9 مارس»… إلخ.
الثالثة، ارتبطت بتصحيح الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بالأساس للكثير من الفئات الاجتماعية والنوعية مثل: موظفو الضرائب العقارية والكثير من شركات القطاع العام، عمال العديد من القطاعات كالمحلة والسكك الحديدية، المهنيون كالصيادلة والمعلمين، الإعلاميون من صحفيين وموظفى التليفزيون، سكان المناطق المحرومة من الخدمات والمرافق الأساسية.
(4)
وهكذا توالت دورات الاحتجاج وتعددت وتقاطعت وعكست أن هناك اختلالات عميقة فى البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. إلا أن الإيجابى أنها حلت المأزق الذى أشار له عاصم الدسوقى حول أن الطبقة الوسطى تكونت بفعل دولة تاريخيا. فها هى الطبقة الوسطى تناضل مجتمعيا من أجل حقوقها.. الأمر الذى أدى مع الوقت إلى الوصول إلى 25 يناير، التى أظنها وبامتياز، كانت تعبر عن الطبقة الوسطى ومن صنعها.