الطبقة الوسطى ومستقبل مصر (4) من الإقصاء إلى الاحتجاج

(1)

اعتمدت الطبقة الوسطى الحديثة على التعليم، وعلى الانفتاح على الجديد. بالإضافة إلى إتاحة الفرصة أمامها أن «تتملك». الأمر الذى ساهم فى أن يكون لها نصيب فى السلطة السياسية بداية من تمثيلها فى مجلس شورى النواب. ومع مرور الوقت أصبحت الطبقة الوسطى قاعدة أساسية للحراك الثورى. بها انطلقت ثورة 1919 ومن أجلها قامت ثورة 1952 وانحازت لها.

ومع دولة يوليو المضادة تشكلت سلطة حاكمة أقصت الطبقة الوسطى من الشراكة فى الحكم وجعلتها تقوم بالتخديم على الطبقة الحاكمة الجديدة من سماسرة ومقاولين وأغنياء الريف…إلخ. وجاءت السياسات الليبرالية الجديدة: من خصخصة وسوق مفتوحة وبيع للقاعدة الصناعية، لتفاقم من أزمة الطبقة الوسطى. والنتيجة، بحسب محمود عبدالفضيل، كوّن «الأثرياء الجدد ثرواتهم من خلال مجالات التداول والوساطة والمقاولات والعلاقة برأس المال الأجنبى، وليس من خلال عمليات التراكم الإنتاجى الإنمائى». فى هذا السياق ترهلت الطبقة الوسطى «وتشرذمت وفقدت جانباً كبيراً من قوة شكيمتها وكبريائها وضاق بها الرزق وفقدت مكانتها الوظيفية والاجتماعية المتميزة، فأصبحت طبقة منهكة» اجتماعياً واقتصادياً، وفى حالة إقصاء سياسى ومدنى ولا تعبر عن نفسها إلا من خلال الجماعات الأولية، أو السفر للعمل أو الهجرة، أو الدروشة، أو الميل للتعصب بحسب جلال أمين….

(2)

ضُربت بقسوة الطبقة الوسطى التى تعد العمود الفقرى لأى مجتمع ورمانة الميزان فيه، ولأول مرة منذ محمد على اختل الميزان الاجتماعى المصرى لصالح قلة ثروية. فى إطار تتبع نادية رمسيس فرح لما جرى فى مصر من تحولات اقتصادية وسياسية منذ تأسيس الدولة الحديثة فى مصر، ومدخلها الرئيسى فى ذلك هو بحث علاقات القوة التى أدت إلى ذلك. أو ما هى القوة التى سادت وعلى حساب من، خلال المراحل التاريخية المتعاقبة على مدى مائتى سنة. تدلنا على طبيعة علاقة القوة بين الاقتصاد والسياسة خلال الفترة الممتدة من عام 1990 إلى عام 2005، وأى قوة كانت لها الغلبة.

من البداية، تقول المؤلفة: «حلت نخب رجال الأعمال محل النخب البيروقراطية والتكنوقراطية والعسكرية (التى تنتمى للطبقة الوسطى) التى سادت الفترة 1956…». وأنه وللمرة الأولى منذ عام 1952 «تتخلى الحكومة عن الطبقة الوسطى ويصير توزيع القوة مائلاً بشدة نحو نخبة صغيرة جداً Tiny Elite».

(3)

أدى الاختلال فى منظومة القوة إلى هيمنة القلة على مقدرات البلاد واستبعاد الأغلبية وتهميشها من طبقة وسطى ودنيا وضمنها من وصفناهم بالخطيرة «القادمون من البؤر العشوائية داخل المدن ومن حزام المدن»، إلى الدخول فى دورات احتجاجية «Cycles of Protest متداخلة / متعاقبة منذ العام 2004، قوامها الطبقة الوسطى بشرائحها. ومرت فى ثلاث دورات أو مراحل أساسية خلال هذه الفترة، كانت هى الطريق إلى 25 يناير والتى تدفعنا أن نقول إنها كانت تعبر عن حراك الطبقة الوسطى بامتياز وتحل مأزقها التاريخى (حسب عاصم الدسوقى)… كيف؟».

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern