الطبقة الوسطى ومستقبل مصر (6): 25 يناير: القوة الناعمة للطبقة الوسطى

(1)

أكدنا على الدور التاريخى للدولة فى إحداث انتظام طبقى بدرجة أو بأخرى فى مصر. ففى البدء كانت دولة محمد على التى نقلت مصر مما قبل الدولة الحديثة إلى الدولة الحديثة ذات المؤسسات وكانت الطبقة الوسطى قوامها الأساسى. طبقة وسطى جديدة تكونت بفعل التعليم الحديث من الخبراء والموظفين والضباط مختلفة عن التجار والشيوخ.

ودعّمت هذه الطبقة ثورة يوليو ودولتها الناصرية. لكن دولة يوليو المضادة الساداتية تخلت عنها. شرحنا تفصيلاً كيف تأثرت بشدة الطبقة الوسطى بشرائحها العليا والوسطى والدنيا من جراء سياسات الخصخصة أو ما يعرف باقتصاد السوق (الليبرالية الجديدة)، ما دفع الشريحة العليا من الطبقة الوسطى بالتخديم على القلة الثروية أو لجوء الشريحتين الأدنى لطلب المعونة من الجماعات الأولية أو… إلخ. لكن ما لبثت الطبقة الوسطى أن بدأت الدخول فى دورات احتجاج متتالية، وأن تعتمد على نفسها بعيداً عن الدولة.

(2)

منذ 2004 باتت مصر تتعرض لدورات احتجاجية متعاقبة… والاحتجاج ما لم تنفتح أمامه الأفق السياسية والمدنية ويأخذ مساراً إيجابياً يتحول معه إلى حركات وكيانات، سوف يشهد المجتمع حالة من الوقوع فى الفوضى Disruption واللايقين Uncertainty حيث لا أحد يعرف بدقة أى شىء عن المستقبل، فلا استجابة لأى شىء ولا تحسن فى الأوضاع، مع تدهور مؤسسى. ولم يعد من فائدة فى إحداث أى إصلاحات فوقية (راجع أفكارنا فى هذا المقام «لا لإصلاح الخديو إسماعيل»، فى كتابنا الآخر «حوار المواطنة»، 2006). وأصبح السؤال المتداول قبل 25 يناير: انت شايف بكرة إزاى؟

(3)

لم يلتفت أولو الأمر إلى أن هناك «كتلة شبابية طالعة» فى إطار الشريحة العليا من الطبقة الوسطى تمكنت، وبسبب بعض من الفائض المالى، أن تتلقى تعليما طيباً «من أنواع التعليم ذات التكلفة العالية جداً»، وأن تنطلق فى تعاملها مع التقنيات الرقمية، وأن تواجه الانسداد السياسى والمدنى فى الواقع بأن تفتح آفاقا ممتدة فى إطار:

«المجال الرقمى» وممارسة «المواطنة الرقمية» Digital Citizenship، أو ممارسة المواطنة من خلال شبكة الإنترنت بتقنياتها المتنوعة وهو ما يعلن عن ميلاد «مواطن الشبكة» أو Netizen. ولحق بهذه الطليعة مظاهرات الشباب من الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى: بشريحتيها الوسطى والدنيا، وأخيرا الطبقة الدنيا والخطرة. ونجحوا فيما يلى:

فتح ثغرة فى شبكة الامتيازات المغلقة، وكسر الغطاء الحامى لها من سلطة سياسية وقوة مادية، وإتاحة الفرصة لشرائح اجتماعية لكى تعبر عن نفسها سياسياً، ولأخرى أن تطالب باستعادة العدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، أو بلغة أخرى، إحداث خلل فى منظومة علاقات القوة التى ظنت القلة الثروية أنه سوف يدوم. والسؤال: ما الحصيلة؟

(4)

عادت الطبقة الوسطى إلى الحياة السياسية بفضل الطليعة الشبابية الرقمية/ القوة الناعمة التى لحق بها شباب الطبقة الخطرة المهمشون والمنسيون والمتعطلون…

إنهم شباب لا لون لـ«ياقات قمصانهم»…

ماذا نعنى وما مستقبلهم..؟

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern