عرضنا لمسيرة الطبقة الوسطى منذ محمد على، وكيف أن الطبقة الوسطى الجديدة «بتعبير سعد الدين إبراهيم» قد ولدت من رحم الدولة الحديثة. ولكن هذا لم يمنع أن تناضل من أجل أن يكون لها حضورها. فناضلت بداية من مجلس شورى النواب ثم ثورة 1919 وأخيرا دعم يوليو الثورة لهذه الطبقة. إلا أن حكم السادات كان بداية تفكيك هذه الطبقة وتعجيز شرائحها، حيث حل محلها شرائح اجتماعية طفيلية ذات طابع احتكارى ريعى مثلت ردة. وجاءت السياسات الليبرالية الجديدة، لتضع تصورا للطبقة الوسطى ورد فى البرنامج الانتخابى الرئاسى فى 2005.
الطبقة الوسطى مهمتها التخديم على القلة الثروية، بالرغم من الانهيار الذى أصاب الطبقة الوسطى، كما شرحنا فى الحلقة الماضية- لكن النظام لم يحرك ساكنا. فلقد كانت رؤيته محدودة ومقصورة تجاهها. فبمراجعة البرنامج الرئاسى الانتخابى 2005، حول ما تضمنه عن «الطبقة الوسطى»، نجده أولا يقصد بالطبقة المتوسطة «المهندسين والأطباء والمدرسين والمحاسبين، والأسر التى يعمل الأب والأم فيها، والشباب الذين يعملون فى الأنشطة الاقتصادية والخدمية الحديثة: فى البنوك وتكنولوجيا المعلومات وأصحاب المشروعات والأعمال الصغيرة إلى العاملين فى الدرجات المتوسطة فى الجهاز الحكومى والكتاب والعاملين فى الصحافة والإعلام والأجهزة القضائية إلى شباب الأكاديميين». وثانيا نجد البرنامج يهدف إلى «زيادة القدرة الشرائية لدخل الطبقة المتوسطة ومساعدتها فى امتلاك مسكن بسعر معقول، من خلال أمرين هما: زيادة الدخل الحقيقى للحصول على قدر أكبر من السلع والخدمات من جهة، وزيادة الخيارات المتاحة أمامها من جهة أخرى».
يتضح لنا كيف كان تعريف الطبقة الوسطى مقصوراً على الشريحة العليا منها، وتحديدا شريحة المهنيين دون ذكر للشريحتين الوسطى والدنيا. وفى الوقت نفسه ولأن نمط الاقتصاد يميل إلى أن يكون ريعيا فإن الحراك الاجتماعى للطبقة الوسطى يكون محدودا. ويصبح دور الطبقة الوسطى هو «التخديم» على القلة الثروية. فالمدرس أو المهندس أو الطبيب يقدم خدماته ومعرفته للقلة الثروية نظير أى مقابل يتم تحديده دون أن يترتب على ذلك حضور سياسى للتعبير عن أنفسهم. أى يمكن للشريحة العليا من الطبقة الوسطى أن تستفيد ماليا ولكن دون أن تتاح لها شراكة سياسية. لقد وجدت هذه الشريحة نفسها تستهلك، وباطراد، سلعاً وخدمات فى إطار ائتمان مفتوح تسدد دفعاته بفوائد مركبة ولكن ماذا عن الشريحتين الوسطى والدنيا من الطبقة الوسطى؟
الشريحتان الوسطى والدنيا من الطبقة الوسطى فى ذمة المبادرات الخيرية، أما الشريحتان المتوسطة والدنيا فقد كان الاتجاه العام هو أن تخلت الدولة عن تأمينهم وتركتهم للمبادرات الخيرية والمؤسسات الدينية والاجتماعية لتؤمن لهم احتياجاتهم.
المحصلة أن الرؤية السائدة من قبل الليبراليين الجدد للطبقة الوسطى تجعل من ينتمون إليها «محلك سر»، ليس من زاوية زيادة قدراتهم الشرائية وامتلاكهم مسكنا، وإنما من زاوية الحضور فى الهيكل الاقتصادى القائم، بالإضافة إلى عدم توفير مساحات للحضور السياسى.
وكان هذا هو الطريق إلى «25 يناير».. كيف؟