سعدت جداً بردود الأفعال التى جاءت على المقالات الثلاثة السابقة التى اتخذت «دولة المواطنة» عنوانا لها. دولة المواطنة كما كتبنا تعنى: العدالة الشاملة، كما تعنى المساواة وتكافؤ الفرص، وأخيرا اقتسام الموارد العامة للبلاد.. كل هذا دون تمييز. فى مقالنا اليوم نستكمل حديثنا عن دولة المواطنة بأنها منظومة حقوق.
(1)
تبلورت المواطنة تاريخيا من خلال حركة الناس لاكتساب الحقوق، وبلوغ المساواة بين الجميع دون تمييز، وتم هذا التبلور بمنطق المركب الذى تتكون عناصره مع التطور التاريخى، وكان كل عنصر يعبر عن بعد من أبعاد المواطنة تتم إضافته للمركب بحسب حركة الناس والسياق التاريخى. وكل بعد من هذه الأبعاد يعكس حقا من حقوق المواطن.. كيف؟
(2)
لم تتكون المواطنة تاريخيا مرة واحدة وإنما تكونت عبر النضال التاريخى للمواطنين بحثا عن حقوقهم، وذلك كما يلى:
■ فى البدء كانت المساواة أمام القانون أى المواطنة المدنية Civic Citizenship.
■ ثم تحقق التمثيل السياسى فى المجالس النيابية، فُعرفت المواطنة فى بعدها السياسى Political Citizenship.
■ ومع التطور الاجتماعى والطبقى عُرفت المواطنة فى بعديها المركب الاجتماعى – الاقتصادى Socio- Economic Citizenship.
■ ومع تنامى صعود الهويات الثقافية: الدينية والعرقية والجنسية، طُرح مفهوم المواطنة الثقافية Cultural Citizenship.
تحقق كل بعد من هذه الأبعاد على مدى سنوات وعقود بل وربما قرون، واختلف الأمر من حالة إلى حالة. بيد أن الدارس للخبرات المختلفة سوف يلحظ أن الخبرة الإنسانية لا تختلف كثيرا عن بعضها.وفى كل مرحلة كان النضال من أجل اكتساب الحق المدنى أو السياسى أو الاجتماعى أو الاقتصادى أو الثقافى يأخذ أشكالا مختلفة.
(3)
ومع اكتمال المواطنة بأبعادها، بغض النظر عن الدرجة والنوعية التى تتوقف على مدى التطور الذى يختلف من سياق لآخر. وعليه يمكن اعتبار المواطنة بهذا المعنى هى الحركة الجمعية للناس فى إطار الوطن الواحد نحو التغيير من خلال العمل المشترك من أجل التقدم. إنها «العملية» Process التى من خلالها يتم تفعيل المركب الحضارى العام بتنوعه. وغياب المواطنة يجعل كل عنصر داخل هذا المركب يرتد إلى دائرة حركته «الخاصة الضيقة»: العزوة والقبيلة والعشيرة والطائفة، لأن «العام الرحب» أو الوعاء الأوسع: الوطن، فيه ما يعوق ممارسة المواطنة.
(4)
المحصلة: يمكن القول بأن المواطنة بعد كل هذا يمكن أن نجملها من خلال دراستنا لهذا الموضوع فى الآتى:
■ المواطنة هى تعبير عن «حركة» الناس اليومية مشاركين ومناضلين من أجل نيل «الحقوق» بأبعادها المدنية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية على قاعدة «المساواة» مع الآخرين دون تمييز لأى سبب، واندماج المواطنين فى «العملية الإنتاجية» بما يتيح لهم «تقاسم» الموارد العامة والثروة الوطنية مع الآخرين الذين يعيشون معهم فى إطار الوطن الواحد.
بلغة أخرى فإننا نعتبر المواطنة، هى حركة الناس، والممارسة التى تضمن حضور الجميع بالرغم من التنوع الثقافى وتعدد الخصوصيات إلى معترك واحد من أجل إحداث النهوض العام، فالجهد المشترك هو «المجال الحيوى الجامع» الذى:
■ ينقل الناس من «الخاص الضيق» إلى «العام الرحب»، بغير تناقض بين الخاص والعام من جهة، وبإبراز الأفضل لدى كل طرف والتفاعل الإيجابى بين هذا الأفضل وذاك من أجل التغيير المطلوب.
(5)
هذه الحركة الجمعية بين المواطنين هى وحدها التى تضمن وصول الحقوق إلى مستحقيها. فلا يمكن أن تحصل فئة أو جماعة على حق دون غيرها لأنه فى هذه الحالة يكون الأمر مجرد امتياز وليس حقا. إن ما نحتاج إليه أن نتحرك معا من أجل اكتساب الحقوق بأبعادها لنقترب من دولة المواطنة.