دليل المواطن المصرى للدستور العصرى - 6

فى إطار حديثنا عن معايير تقييم مدى عصرية النص الدستورى.. كنا قد وصلنا إلى المعيار الرابع والذى يتعلق بعدم ذكر مفاهيم أو مفردات تعود لبنى تشريعية من زمن فات أو من خارج بنيتنا القانونية الوطنية.. وفى هذا المقام كنا نقدم لما طرحه الدكتور سمير عبدالسيد تناغو حول استبعاد تعبير «الأحوال الشخصية» من النص، لأنه يعود لزمن الامتيازات الأجنبية ونظام الملل الذى لم تعرفه مصر، وقد أشرنا لكثير من الكتابات فى المقال السابق حول هذا الأمر.. ولإثراء النقاش وللتاريخ نعرض رؤية الدكتور تناغو حول كل من مفهومى: «المصدر» و «أهمية النص الذى يقترحه»..

حول كلمة «مصدر»؛ يقول: «استعمال كلمة المصدر غير دقيق من ناحية الصياغة، لأن هناك فارقاً بين مصدر القاعدة القانونية ومضمون هذه القاعدة، وتلك مسألة دقيقة ومعقدة فى فلسفة النظرية العامة للقانون، يفهمها القانونيون أكثر من غيرهم، وقد عرضنا لها بشكل مفصل فى كتابنا النظرية العامة للقانون، ونعرض هنا توضيحاً موجزاً لسبب الاعتراض على الكلمة. يبحث علم الاجتماع القانونى عن المصدر المنشئ للقواعد القانونية فى المجتمع، طبقا لمبدأ السبب المنشئ، أو طبقاً لمبدأ السببية، يقرر أن مصدر القانون فى مصر هو إرادة الدولة، التى تعبر عنها السلطة التشريعية، كما تعبر عنها أحياناً السلطة القضائية، وكذلك السلطة التنفيذية، فى نطاق محدود، وأحكام الشرائع غير الإسلامية لا تنطبق بذاتها، والأحكام التى يمكن للمشرع أن ينقلها ويتبناها من هذه الشرائع فى مسائل الزواج، هى أحكام تشريعية وضعية مصدرها إرادة المشرع، وإن تطابقت فى مضمونها مع بعض الأحكام أو الآراء فى هذه الشرائع. ومن ثم تكون شرائع غير المسلمين فى هذه الحالة هى مضمون القاعدة القانونية وليست مصدرها، فلا ينبغى أبداً الخلط بين المصدر والمضمون..» (راجع تفصيلاً حول: الفارق بين مضمون القاعدة القانونية ومصدرها، مؤلفنا فى النظرية العامة للقانون، منشأة المعارف، 2009، بند 84 وما بعده)..

نذكّر القارئ بالنص الذى اقترحه الدكتور تناغو: «يستوحى المشرع المبادئ العامة الكلية لشرائع غير المسلمين، فى أمور زواجهم وشؤونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية».. بداية يحمى المسيحيين من تطبيق الشريعة الإسلامية عليهم، فى حالة الاختلاف فى الملة أو الطائفة، كما تنص على ذلك المادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955، التى أصبحت المادة الثالثة من القانون رقم (1) لسنة 2000.

وفى الوقت نفسه فإن هذا النص، لا يمنع الدولة مستقبلاً، من الفصل بين الزواج الدينى، الذى يخضع لتعليمات الكنيسة، وبين الزواج المدنى، الذى تنظمه الدولة، مراعية فيه المبادئ الكلية للشرائع المسيحية، التى لا تسمح بتعدد الزوجات، أو التطليق بالإرادة المنفردة للزوج.

وكان البعض قد اقترح لتفريغ النص المقترح من كل قيمة له، أن يكون العمل بمبادئ الشرائع غير الإسلامية «فى حدود القوانين والأعراف المعمول بها فى مصر». وهذه الجملة الأخيرة خبيثة وساذجة فى نفس الوقت، لأنه لا ينطلى على أحد أن المقصود بها، هو أن تخضع مبادئ الشرائع غير الإسلامية، رغم النص عليها فى الدستور، لأحكام القوانين، كتلك التى تطبق الشريعة الإسلامية على غير المسلمين فى حالة الاختلاف فى الملة أو الطائفة. وبهذا يخضع الدستور لأحكام القانون، وليس العكس. ويظل غير المسلمين خاضعين لأحكام الشريعة الإسلامية، رغم النص الدستورى المقترح بخضوعهم لمبادئ شرائعهم.. ونواصل.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern