دليل المواطن المصرى للدستور العصرى - 5

(1)

الكتابة الدستورية، شأنها شأن أى حقل معرفى، تتطور بفعل الحيوية المجتمعية والعلمية المتجددة.. لذا تطورت الدساتير وتحررت من الكلاسيكية التى تقيدها.. لذا أصبح لدينا أربعة أجيال من الدساتير.. والقارئ للجيل الرابع منها سوف يجد أصحابه وقد أبدعوا من حيث المنطق الذى يقوم عليه الدستور، وتقسيم الأبواب، والأولويات التى يتم التوافق عليها بحسب ظروف كل بلد، والحرص على الاطلاع على جديد المفاهيم والمعارف والحقائق فى العالم، فجاءت الدساتير مواكبة للعصر.

(2)

فى هذا السياق طرحنا- حتى الآن- أربعة معايير يسترشد بها المواطن لقياس مدى «عصرية» الدستور.. الأول: وجود فلسفة حاكمة للنص الدستورى فى كل مبادئه. الثانى: مدى مواكبة النص الدستورى لجديد الحقوق فى العالم وقدرته على تلبية تطلعات المواطنين للتغيير، ووضعه للأطر القانونية التى تلزم المشرع القانونى بألا يتناقض مع جوهر المبادئ الدستورية. الثالث: ألا تأتى المبادئ الدستورية فى درجة أدنى ما كتبت به تاريخيا. الرابع: الاطمئنان ألا يتضمن النص مفردات من زمن فات، يعود بعضها إلى الباب العالى أو التشريعات العثمانية.. وهو ما بدأنا نفصله فى مقالنا السابق حيث تحدثنا عن مفهومى المواطنة والمساواة.. وتوقفنا عند مفهوم «الأحوال الشخصية».

(3)

بداية نشير إلى أنه وتحت مسمى «مواد الهوية»، نجد البيوريتانيون الجدد (تعبير استخدمناه منذ وقت مبكر) وقد اختطفوا النص الدستورى فى هذا الاتجاه وقسموا «المصريين» على أساس دينى، وهو أمر يناقض مفهوم المواطنة بمعناه الحديث من جهة، ويناقض خبرة الحياة المشتركة للمصريين التى تجاوزت التقسيم الدينى..ففى الخبرة المصرية لم يكن التماثل المذهبى بين مسلمى مصر والحكام الوافدين مثل: «المماليك» و«العثمانيون» ميزة.. لذا كان لدى مصر قدر من الاستقلال عن الإثنية الحاكمة.. (راجع عزيز سوريال عطية، وأحمد عبدالرحيم مصطفى، وأبوسيف يوسف، ومحمد عفيفى، وكتابنا الحماية والعقاب: الغرب والمسألة الدينية فى الشرق الأوسط).. لذا أستخدم تعبير «غير المسلمين» على المواطنين المصريين غير المسلمين.. كما لم تعرف مصر نظام الملة كما عرفته منطقة الشام.. وعليه فإن القبول بالتقسيم الدينى للمصريين يعنى عملياً القبول بنظام الملة العثمانى والذى يتناقض موضوعياً مع دولة المواطنة.

(4)

ونشير هنا إلى اجتهاد الأستاذ الدكتور سمير عبدالسيد تناغو- العقلية القانونية المعتبرة- فى تفسيره مثلاً لتعبير «الأحوال الشخصية»، حيث يقول: «هذا المصطلح غير سليم من الناحية القانونية لأنه لا يوجد شىء اسمه الأحوال الشخصية لغير المسلمين، فاصطلاح الأحوال الشخصية من مخلفات الامتيازات الأجنبية وتعدد جهات القضاء». واصطلاح الأحوال الشخصية يشمل من الناحية التاريخية، أربعة موضوعات، تم توحيد القانون فى ثلاثة منها بالنسبة للمصريين جميعا. واصطلاح الأحوال الشخصية كان يشمل:

أ‌- حالة الشخص وأهليته.

ب‌- الولاية والوصاية والقوامة والحجر واعتبار المفقود ميتاً….إلخ.

ت‌) المواريث والوصايا.

وقد تم توحيد القانون فى كل هذه المسائل بالنسبة للمصريين جميعاً مسلمين وغير مسلمين، والموضوع الرابع والوحيد والذى يخص غير المسلمين، هو موضوع الزواج والطلاق…. إلخ.. لذا نجده يعترض على الصياغة الحالية الخاصة بهذا الأمر.. حيث لا يجوز الحديث عن أحكام شرائع غير المسلمين، لكن يجوز فقط الحديث عن المبادئ العامة لهذه الشرائع كما هو الشأن بالنسبة لمبادئ الشريعة الإسلامية.. وعليه تعدل إلى ما يلى: «يستوحى المشرع المبادئ العامة الكلية لشرائع غير المسلمين، فى أمور زواجهم وشؤونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية».

لماذا؟… نجيب المقال القادم.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern