تمرد: المواطن / الفرد فى مواجهة الشمولية

 (1)

السلطة الشمولية، أيا كان نوعها: سياسية أو دينية، تعطى لنفسها الحق أن تتحدث باسم الناس… وأنها تعرف ما يريدون، وأنها تنجز كل ما فى وسعها من أجل ذلك… وفى سبيل هذا تطرح أيديولوجية تروج كلاما لا يمت للواقع بصلة… وتصنع مشاهد بصرية للإيهام بما تروج له ليصدقه الناس أو لترويعهم، لا فرق… ما يضمن استمرارها واستمرار الأقلية الحاكمة: ثروية أو دينية، أو ثقافية، أو سياسية، أو كل ذلك معا… فالناس لديهم كتل بشرية تطيع، وتسمع، وعليها أن تتعايش…

(2)

والسؤال، هل يمكن قبول سلطة سياسية تحاول أن تعيد الشمولية فى تجل دينى بعد أن عرفها المصريون فى تجليها السياسى… الإجابة (ومن خلال الخبرة الإنسانية التاريخية والمعاصرة ـ بالرغم من اختلاف السياقات ـ فإن التجربة الإنسانية واحدة ولا فرق بين سلطة شمولية شرقية أو غربية)، تقول: لابد من إدراك أنه بات مستحيلا استمرار السلطة الشمولية فلقد أصبحت «نموذجا لا تاريخيا»، مهما كانت أيديولوجيته…

الأكثر أن حراكا ـ زلزاليا ـ مثل الذى عرفته مصر، أطلقه المصريون فى 25 يناير…

قد وضع فارقا بين زمنين: «ما قبل وما بعد 25 يناير»…

(3)

فمن خلال دراستى لمسيرة المواطنة المصرية، والتى رصدتها فى خمس مراحل منذ محمد على، كانت مسيرة المواطنة التى تعنى حركة المواطنين من أجل اكتساب حقوقهم فإنها: إما بدأت بمنحة من الحاكم، أو تكون مواطنة غير مكتملة أى يعنى ببعدها السياسى/ المدنى دون الاقتصادى / الاجتماعى أو العكس، أو يتم تغييبها بالكامل (راجع كتابنا المواطنة والتغيير)… أما انطلاقة المواطنين فى 25 يناير فقد أسست للمواطنة الفعل… وأنه لا تنازل عن المواطنة المكتملة: اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ومدنيا وثقافيا… لقد شهدنا فى 25 يناير المواطنة الثائرة…

• وبلغة أخرى يمكن القول إن الفرد / المواطن قد ولد فى 25 يناير…

فلم تعد الجموع البشرية مجرد كتل جماهيرية تنصاع لسلطة شمولية وتصدق أكاذيبها… وإنما «مواطنون» من حقهم أن يراجعوا السلطة وقدرتها على جعل النموذج الذى وضعه الشباب لمصر جديدة، والذى تم التوافق عليه بين كل ألوان الطيف المصرية، موضع التطبيق العملى أم لا…

(4)

ولأن مسار التحول المتعثر لم يكن مشجعا… لذا ظلت المواطنة الثائرة مستنفرة ميدانيا من خلال معارك حقيقية شهدتها مواقع: البالون، ومحمد محمود، وماسبيرو، وبورسعيد والسويس والإسكندرية، والاتحادية، كذلك قتل وخطف خيرة شباب مصر و«العكننة» على سياسييها ومثقفيها بطرق شتى… وعندما تبين أن مسار التحول الديمقراطى المتعثر قد انحرف فى مسار لا شرعى كما طالته أحكام قضائية تؤكد ذلك… بالإضافة إلى ما كتبنا عنه قبل شهور قليلة عن فشل سلطة ما بعد 25 يناير فى الاستجابة للمواطنة الثائرة ومطالبها فى 25 يناير، وعدم قدرة هذه السلطة على أن تكون لكل المصريين حيث عبأت الأهل والعزوة فى مواجهة عموم المصريين… لذا ظهرت تمرد.. وإذا كانت 25 يناير تعبيرا عن ميلاد المواطن الفرد… فإن تمرد هى تعبير عن مواجهة هؤلاء المواطنين للسلطة الشمولية… إنها المواطنة المتمردة…

فماذا تعنى؟ وما ملامحها؟ وماذا بعدها؟… نواصل فى مقالنا القادم…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern