تمرد: المواطنة من غير وسطاء

«تمرد»، هى أول حركة للمواطنين المصريين يقومون بها دون وسطاء، تنطلق من القاعدة، من أسفل، تحمل مطالب واضحة فى مواجهة السلطة القائمة مباشرة. وتعتمد على الحشد والتعبئة فى ضوء هذه المطالب. وتتحرك فى عموم مصر حيث تبتكر أساليبها النضالية التى تقوم على إظهار الصوت المعارض لشرائح عريضة من الشعب المصرى دون أن تفوض أحداً للحديث باسمهم.

. القارئ لتاريخ مصر الحديث وللمسيرة النضالية للمواطنين المصريين من أجل الحرية والعدل والاستقلال، يمكنه أن يرصد أنه منذ محمد على كان المصريون يثورون ويوكلون وسيطاً ليفاوض عنهم، أو كانوا يتحركون من أجل مطلب بعينه فى لحظة استثنائية.. كيف؟

بعد الحملة الفرنسية «1798»، عرفت مصر أربع موجات ثورية فى مواجهة المماليك والعثمانية والفرنساوية والإنجليز فى إطار متشابك ومعقد.. وفى المحصلة «أوكل» المواطنون/الشعب، التجار والأعيان «وكان من ضمنهم كبير الأقباط المعلم جرجس الجوهرى، حيث لم يكن ينظر للأقباط كطائفة تمثلها المؤسسة الدينية عكس ما ينظر الآن»، وكان على رأسهم عمر مكرم فى تسليم محمد على السلطة.. كان حلم المصريين هو أن تكون مصر لهم، خاصة وقد تردت الأحوال وباتت مطمعاً لعدد من القوى فى وقت واحد.

وفى ثورة 1919، «فوض» الشعب من خلال «التوكيلات»، قيادات حزب الوفد لدعم الاستقلال الوطنى وحماية المصالح المصرية الاقتصادية البازغة آنذاك.. لم يكن الوفد راديكالياً فى مطالبه. فلقد كان جل ما يريد ضمانات لإنشاء صناعة بسيطة وقدرا من الحكم الذاتى.. ولكن تحرك الناس حفز هذه القيادات أن تتشدد فى الحصول على حقوق مصر غير منقوصة.. من حيث التخلص من الاستعمار وأن تحكم البلاد حكما دستوريا كاملا.

وفى الفترة الناصرية تحرك الشعب لتأييد كثير من الإنجازات العظيمة، وكان هناك توقيع على بياض للزعيم/الكاريزما.. كما تحركوا لإثنائه عن التنحى، وكان هذا هو التحرك القاعدى التلقائى الجماهيرى من أجل صالح وطنى لإنجاز مهمة وطنية استراتيجية.

إذن، كل حركات التحرك الجماهيرى كانت تصب فى أيدى وسطاء، إما للتفاوض كما جرى مع محمد على عبر الأعيان والمشايخ، أو مع بريطانيا عبر توكيل قيادات حزب الوفد، أو بتفويض عام للزعيم الكاريزما كما جرى مع ناصر.. ودائما ما تكون هناك مسافة بين ما يصبو إليه wالمواطنون وما يقدر على تحقيقه المفاوضون/الوسطاء.. أما حركة «تمرد» فهى أول حركة مواطنية قاعدية تكون لديها رؤية مغايرة لرؤية السلطة القائمة.. سلمية تعتمد على وسيلة بسيطة تهدف إلى حشد الناس فى مواجهة فشل السياسات المتبعة فى تحقيق مطالب 25 يناير من: حرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية.

كما يمكن القول إنها جددت الزخم الذى انطلق مع الموجة الأولى من الحراك الشبابى الشعبى الثورى الذى انطلق فى 25 يناير.. والذى استجمع حصيلة احتجاجات متعاقبة منذ 2004.. كما استقوت بكل مقاومة جرت فى الشارع عبر دماء الشهداء وآلام المختطفين والمسجونين، بداية من البالون وماسبيرو ومحمد محمود وبورسعيد والسويس والإسكندرية والاتحادية والكاتدرائية والأزهر.. إنها الحركةـ وأظنها لن تكون الأخيرة- التى بلورت مقاومة المواطنين العاديين: العنصر المنسى فى المعادلة من قبل أصحاب مشروعات اختطاف وتقاسم مصر.

المواطنة: «الفعل» انطلقت فى 25 يناير «وليست النظرية/ المبدأ، التى كنا نبشر بها».. وها نحن نشهد المواطنة المتمردة.. كما رأينا المواطنة الشهيدة.. وسنرى المواطنة الثورية.. إلخ.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern