تمرد: قوم يا مصرى

إنها لحظة تاريخية بكل المعانى.. يوم 30 يونيو العصر وفى كل أنحاء مصر.. أعلنت مصر عن نفسها.. قام المصريون، متجاوزين كل الاختلافات: الجيلية، والدينية، والمذهبية، والطبقية، والجنسية، والسياسية،.. إلخ.. قاموا يستعيدون مصر الوطن.. والدولة الحديثة.. ويؤكدون على مصر «المركب الحضارى» متعدد العناصر.. على مدى شهور كان المصريون يرسلون رسائل تعبر عن عدم رضائهم عما آلت إليه الأحوال.. ولكن الرسائل لم تكن تقرأ.

لقد كان هم السلطة من خلال ما أطلقت عليه «شرعية الإكراه» أن تدفع قسراً بالمصريين فى اتجاه معين، بإعلان دستورى أتاح تمرير دستور بعد منتصف الليل بغير توافق وطنى.. وسعى لإطلاق التمكين التام لمفاصل الدولة من خلال «التحرش بسلطات الدولة القائمة»، وإقامة أجهزة موازية لأجهزة الدولة القائمة.. كل ذلك تحت أيديولوجية لا ترى مصر إلا دولة دينية.. وفى ظل هذا تفاقمت المسألة الاجتماعية / الاقتصادية.

تصورت السلطة أن السيطرة على مصر قد دانت.. وأذكر أننى ذهبت إلى بيروت لحضور ندوة دولية شرفت أن أكون ضيف شرفها نهاية نوفمبر الماضى عقب الإعلان الدستورى.. وكان المحللون من عدة بلدان ووفق كثير من المعلومات والاستراتيجيات يقولون إن المسألة مسألة وقت بالنسبة لإتمام عملية التمكين.. وعندما عدت إلى مصر قام المصريون إلى الاتحادية.. وأعلن الحاكم حظراً للتجول فى مدن القنال.. فقام المواطنون بإعلان «حظر التغول» (كما كتبت آنذاك فى «المصرى اليوم»، لافتا النظر إلى ضرورة إدراك ماذا يعنى: ثقافياً وسياسياً، أن يقاوم الناس قرار السلطة كما رأينا من خلال إبداع مصرى غير مسبوق لم يفهمه الغرب فى مقاومة الحظر بكرة القدم وما حملته المقاومة من وعى سياسى واقتصادى).. وقلت فى أكثر من مناسبة، إن العنصر الوحيد الذى لم يتم حسابه فى المعادلات السياسية والاستراتيجية (والنماذج الهندسية التى كان يروج لها البعض: النموذج التركى، الباكستانى،.. إلخ، وتقارير السفراء) هو العنصر الشعبى الذى قام ليعلن بوضوح أنه ضد:

• الاستبداد السياسى، والتشدد الدينى، وتقاسم مصر من خلال طرح مقدراتها للمزاد لمن يدفع أكثر، كذلك تجريح مركبها الثقافى/ الحضارى الشديد التعقيد والثراء،.. ومع مرور الوقت رأينا كيف وضع كثير من مؤسسات الدولة الوطنية الحديثة مسافة بينها وبين السلطة السياسية، وأعلنت بالأخير انحيازها «لقومة المصريين» المشروعة.

أثناء ذلك أطلق الشباب حركة «تمرد».. وأطلقوا معها كما أشرنا (فى عدة مقالات) «جرأة التمرد»، والتى تعنى: التحرر، والابتكار، والمواطنة.. المواطنة بغير أوصياء أو وسطاء لأول مرة فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر.. لم تأخذها السلطة (وربما النخبة السياسية) محمل الجد لأنها لم تزل تعمل بحسب «الكتالوج» القديم حيث بقواعد الاستبداد السياسى أو التشدد الدينى يمكن حصارها.. وهنا مربط الفرس هل يمكن أن تنجح سلطة حاكمة فى مصر تخاصم: القوى السياسية، ومؤسسات الدولة، وجموع المصريين.

وجاء الشباب ليعبروا عن «آمال/ آلام» الملايين،.. الذين يريدون مصر الحديثة القوية القادرة على استيعاب التنوع.. والأهم لم ينوبوا عنهم بل أفسحوا لكل مصرى أن يقوم ويعبر عن نفسه: فى الميادين، ومن لم يستطع أقام مظاهرات فى مكانه، وشارك الجميع ونزل الناس أمام منازلهم يجلسون للتعبير عن موقفهم كما نزلت «الكنبة».. فى مشهد بديع حضارى وسلمى غير مسبوق.

من حق الشباب أن يفرح بما صنعه وعلى النخبة السياسية ألا تقفز على ما صنع الشباب.. ولابد للشباب أن يكونوا حاضرين فى المعادلة السياسية.. وأخيراً يجب إدراك أن مراحل التحول الكبيرة فى حياة الأوطان لا يجب أن تكون محل تقاسم وإنما توافق..


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern