تحولات (5): إسبانيا و4 مراحل للتحول

 (1)

رصد كل من تناول تجربة إسبانيا فى الانتقال إلى الديمقراطية، بعد ما يقرب من 40 سنة من الديكتاتورية (1939-1975)، أربع مراحل استغرقتها عملية التحول. ونذكر أن ما ساهم فى عملية التحول الديمقراطى فى إسبانيا – راجع مقالنا السابق – توفر ثلاثة مقومات هى: سلطة قضائية عريقة، وجهاز إدارى متطور، وطبقة وسطى قوية. لذا تمكنت إسبانيا أن تقاوم الديكتاتورية وتنهض فى أقل من عشرة أعوام.

(2)

يسجل المؤرخون أن المرحلة الأولى للتحول إلى الديمقراطية بدأت فى الستينيات، حيث بدأ الإسبانيون يحتجون على ممارسات نظام فرانكو وأخذوا ينظمون أنفسهم. بدأ العمال فى المسيرة بتأسيس أشكال تنظيمية حاشدة تبلورت فيما يعرف – بعد وقت – باتحاد عمالى عرف بـ«اللجان العمالية»، وسرعان ما لحقت بهم المنظمات والنقابات المهنية والحركة الطلابية، وامتد أثر هذه التحركات المقاومة إلى عموم المواطنين. ولم يكن أمام النظام إلا أن يواجه المقاومة الوطنية بمزيد من القمع.

ومات فرانكو فى 1975 وبدأت المرحلة الثانية واستغرقت عامين (1975 و1976) حيث جاءت حكومة «أرياس نافرو» الذى حاول أن يستمر فى سياسة فرانكو، إلا أن المقاومة الشعبية ازدادت وانضمت لها قطاعات من الكنيسة الكاثوليكية، ما زاد الإصرار على إنجاح عملية التحول إلى الديمقراطية وإسقاط حكومة نافرو.

جاءت المرحلة الثالثة (1976-1981) بـ«أدولفو سواريز» رئيسا للوزراء، وقد كان مؤمنا بالديمقراطية فقام بما يلى:

■ التزم بالحريات والحقوق الأساسية للمواطنين وحصنها تشريعيا وقانونيا ليضمن للمواطنين ممارستها فعليا على أرض الواقع.

■ أعد نظاما انتخابيا عادلا.

■ أطلق حرية العمل الحزبى والعمالى.

■ تم البدء بإجراء الانتخابات البلدية أولا فى 1977، أى بدء العملية الديمقراطية من أسفل.

لم تكن مهمة سواريز سهلة ولكنه كان شاباً ووجهاً مقبولاً من كل الأطراف: من ينتمون للقديم بما يمثلون من مصالح، ولطموحات القوة المعارضة المتطلعة إلى ديمقراطية حقيقية. وعرفت عملية التحول الديمقراطى بـ«الاتفاق التاريخى على الإصلاح».

■ فى هذا السياق، تم تشكيل لجنة لإعداد الدستور فى مايو 1977«نتحدث عن تجربة إعداد الدستور فى مقال قادم».

فى المحصلة، استطاعت إسبانيا أن تعبر إلى المرحلة الرابعة بداية من 1981. وبالرغم من أن هذه المرحلة التى حل فيها «كالفو سوتيلو» رئيسا للوزراء، قد تعرضت لمحاولة انقلابية، إلا أن الديمقراطية الوليدة وبسبب التوافق الوطنى بين كل الفرقاء استطاعت أن تصمد أمام الانقلاب فأفشلته.

(3)

وفى عام 1982 شهدت إسبانيا أول انتخابات ديمقراطية فى ظل الدستور الجديد، وبعد استقرار أركان الديمقراطية من خلال حضور حزبى يمثل ألواناً سياسية متعددة. وكان النهوض الاقتصادى أحد مجالات التنافس بين هذه التيارات السياسية، من حيث اجتهاد كل تيار فى أن يبتكر رؤية شاملة للتقدم ومن ثم إنجاح التحول الديمقراطى، بالإضافة إلى الإبداع فى إنجاح عملية التوافقات بين القوى السياسية الفاعلة من خلال آليات سلمية ونبذ العنف وحصاره وعزل العناصر الإرهابية والانقلابية.

كلمة السر فى الخبرة الإسبانية هى «التوافق».

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern