تحولات «4»: إسبانيا: مقومات التحول

عرفت إسبانيا ثلاثة أنظمة حكم: الملكى الدستورى «استغرق 130 سنة: بداية من القرن 19 إلى الـ30 سنة الأولى من القرن الـ20»، والجمهورى الحزبى «من 1931 إلى 1936»، والسلطوى العسكرى «من 1939 إلى 1975». وقد جاء النظام الأخير بعد حرب أهلية استمرت ثلاث سنوات خلفت مليون شهيد، وتراجع عن كل ما تحقق فى تاريخ إسبانيا فى المرحلتين الملكية والجمهورية. وكان الجنرال «فرانكو» الشهير على رأس هذا النظام السلطوى. وبالرغم من طول مدة حكم نظام «فرانكو» الذى اقترب من الأربعين سنة، فإنه كانت هناك مقومات راسخة فى بنية المجتمع الإسبانى مكنت من جعل التخلص من هذا النظام فى نهاية المطاف ممكناً. وتيسير التحول فى إسبانيا من النظام السلطوى إلى نظام ديمقراطى بامتياز.

المقوم الأول هو أنه فى كل من فترتى: الملكية الدستورية والجمهورية الحزبية، بلورت إسبانيا تراثاً قانونياً معتبراً على الأصعدة النصوصية، والمؤسسية، خاصة فيما يتعلق بتنظيم الجهاز القضائى، والأصعدة الفنية، والبشرية. أى أن إسبانيا كانت قد بدأت تسير قُدما فى التأسيس لما يمكن تسميته «دولة القانون». وعلى مدى قرن وثلث القرن تقريباً «1800 – 1930» راكمت إسبانيا تقاليد قانونية باتت رصيداً ثميناً وداعماً للدولة بالرغم من الردة التى حدثت على المستويين السياسى والمدنى.

والمقوم الثانى يتعلق بما أنجزته إسبانيا منذ العام 1858 فى مجال تطوير الجهاز الحكومى المدنى «النظام البيروقراطى»، من حيث تطوير الإجراءات الإدارية وتيسيرها على المواطنين. وجعل النظام الإدارى يواكب الصعود الأوروبى فى شتى المجالات. لذا فليس من المستغرب أن نجد أنه منذ وقت مبكر تم التأكيد على فكرة المحاسبة واستصدار قوانين تنظم المسؤولية الإدارية وهو ما يعد أمراً متقدماً جداً فى وقت مبكر.

أما المقوم الثالث الذى سهل من عملية التحول الديمقراطى فى عام 1975 فهو تبلور طبقة وسطى قوية ولديها فائض مالى طيب. فعلى الرغم من ديكتاتورية «فرانكو» فإن الاقتصاد الإسبانى وبسبب ظروف معينة خلال الستينيات من القرن الماضى – بحسب دراسة حول الطبقة الوسطى الإسبانية ودورها فى التحول الديمقراطى – قد مكن الطبقة الوسطى الإسبانية من أن تقترب بدرجة أو أخرى من الطبقة الوسطى فى بلدان أوروبا الغربية آنذاك. فلقد كانت هذه الطبقة هى نواة الثورة على فرانكو، والتى تشكلت منها الشرائح الرئيسية للمعارضة، وفى هذا السياق أشار أحد الباحثين «الذين التقيتهم فى معهد الكانو بمدريد المتخصص فى موضوع التحول» بأثر بعض القرارات الاقتصادية فى فترة «فرانكو» على الطبقة الوسطى إيجابياً بالرغم من الاستبداد السياسى والمدنى.

إذن، يمكن اعتبار كل من «القضاء»، و«الجهاز الإدارى»، و«الطبقة الوسطى»، المقومات الأساسية التى ساهمت فى إنجاح التحول السياسى إلى الديمقراطية فى إسبانيا. فلقد استطاعت عندما سقط «فرانكو» أن تحمى إسبانيا من الفراغ على المستويات القانونية والإدارية والمجتمعية. وكانت هذه المقومات صمامات أمان حقيقية من تيسير التحول إلى الديمقراطية وعدم الارتداد عليها.

بيد أن التحول لم يكن مباشراً أو «أوتوماتيكيا»، فلقد خاض أربع مراحل… نرصدها فى مقالنا القادم.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern