إسبانيا والطريق إلى التحول الديمقراطي

تعد التجربة الديمقراطية الإسبانية تجربة حديثة نسبياً، فلقد عاشت حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضى فى ظل حكم ديكتاتورى قمعى قاده الجنرال «فرانكو». واسم «فرانكو» بات فى الأدبيات العلمية نموذجاً تتم دراسته للتعرف على كيف تُحكم الشعوب، وتدار المجتمعات بالبطش وحصار المعارضين والتنكيل بهم، خاصة وقد حكم لمدة تقترب من 40 سنة، وكان كل من يتابع أوضاع إسبانيا على مدى عقود الاستبداد يدرك – يقينا – أنه من المحال أن يتخلص الإسبانيون من هذا الحكم الديكتاتورى.وبالطبع لم يكن الأمر – فقط – يتـعلق بشراسة الديكتاتور فى مواجهة القوى السياسية والمدنية والمواطنين، إنما بالقاعدة الاجتماعية التى تحول دون إحداث التغيير بضراوة.

تدرجت إسبانيا فى أنظمة الحكم وتطور القاعدة الاجتماعية المساندة لهذه الأنظمة على مدى القرنين الماضيين، وذلك كما يلى:

«ملكى سلطوى»: مدعوم من الجيش والمؤسسة الدينية لمدة تزيد على 130 سنة، «القرن 19 والـ30 سنة الأولى من القرن الـ20».

«جمهورى ديمقراطى»: بداية من 1931، حيث تم طرد الملك وأُعيد العسكر إلى ثكناتهم، واتبع نظام انتخابى متطور أخذ بالتمثيل النسبى، كما طبق نظام اللامركزية لأقاليم إسبانيا إلى حد ما. وعملت الجمهورية الوليدة على تحسين ظروف وأحوال العمال وسكان المجتمعات الريفية، وتشير إحدى الدراسات التى أنجزتها مؤسسة أوروبية متخصصة فى مجال الديمقراطية إلى أنه أثناء هذه الفترة تطور اتجاهان سياسيان رئيسيان قادا من خلال تفاعلات معقدة إلى أجواء من الاستقطاب السياسى بين: «كتلة يمينية محافظة»، وأخرى «يسارية»، وتطور هذا الاستقطاب إلى صدام ميدانى خلال الانتخابات النيابية التى أجريت فى سنة 1936 مع إعلان فوز «الجبهة الشعبية»، اليسارية، ونتج عن ذلك أن هبت البنى التقليدية من أصحاب المصالح القديمة، فلقد أفتت المؤسسة الدينية بأن الحرب الأهلية هى حرب مقدسة من أجل العودة إلى الاستقرار، وكأن الديمقراطية مرادفة للفوضى، وأن «فرانكو» حامى إسبانيا من ديمقراطية الأحزاب والقوى السياسية المتنوعة، وعليه قام بعض من ضباط الجيش بانقلاب عسكرى كان بداية انطلاق شرارة ما يعرف تاريخياً بالحرب الأهلية – الدموية – الإسبانية، التى أودت بحياة مليون مواطن «1936 – 1939»،

إذن حكم «فرانكو» إسبانيا فى الفترة من 1939 إلى أن مات فى نوفمبر 1975، وعلى مدى أربعة عقود تقريباً كانت إسبانيا تحكم بشكل سلطوى بامتياز، حيث منعت كل الأحزاب السياسية من العمل السياسى فيما عدا حزب الكتائب الفاشى الداعم للسلطة.واعتمد «فرانكو» فى إدارته للبلاد على قوى الأمن بالأساس،

عادت البنى التقليدية المناوئة للتغيير لتدعم النظام الجديد.ولأسباب تتعلق بالبيئة الدولية منها الحرب العالمية الثانية، ثم الحرب الباردة استمر نظام «فرانكو»، لكن لم يرض المواطنون بما هو قائم، فكانت هناك مجموعة من المتغيرات نرصدها فى مقالنا القادم.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern