(1) بدعوة من وزارة الخارجية والتعاون الدولى الإسبانية توجهت إلى مدريد وقادش (من 25 إلى 31 أكتوبر الماضى)، لحضور أولاً: حلقة نقاشية بعنوان «أمريكا اللاتينية وجنوب المتوسط: التمسك بالمبادئ الدستورية والديمقراطية».. وثانياً: لزيارة أهم مركز متخصص فى مسألة التحول الديمقراطى، واللقاء بعدد من الرسميين الحاليين والسابقين وقادة الأحزاب الإسبانية وعدد من مراكز البحث والتفكير، بإلاضافة إلى الجالية المصرية فى المركز الثقافى المصرى فى مدريد.
وقد كانت الرحلة ثرية لأنها كانت إطلالة جدية وعميقة على تجربة إسبانيا المهمة فى التحول الديمقراطى من جهة، وعلى تجارب أمريكا اللاتينية من جهة أخرى. كذلك أتاحت الرحلة التعرف على أهمية التخديم العلمى فى تقدم المجتمعات، وعلى الحركة السياسية الفاعلة فى إسبانيا للحزبين الكبيرين (الاشتراكى والشعبى) .
(2) وزاد من فوائد الرحلة (بالرغم من تزامنها مع حلول عيد الأضحى المبارك ) دأب سفيرنا لدى إسبانيا المثقف أيمن زين الدين على إنجاح الرحلة لما يمكن أن يفيد مصر فى عمليتها الديمقراطية الراهنة. لقد جاءت الرحلة فى وقتها تماما. فبعد عامين على الحراك الشبابى الشعبى الثورى الذى انطلق فى 25 يناير، يبدو لى أننا قد استغرقنا فى ماكينة العمل السياسى والمدنى اليومى، إلا أننا فى المقابل لم نعط الاهتمام الكافى لتأمل مجريات الأمور وتفاعلاتها وتداعياتها ومستقبلها. ولأن الرحلة جمعت بين الأفكار والمناقشات التى تنعش العقل وتجدد التفكير وتفتح الآفاق عقب حراك 25 يناير الحاسم، أثق أنها جاءت فى وقتها تماما ؛عنوانها الرئيسى «التحول الديمقراطى: عناصره ومقوماته وأشكاله وتقاطعاته واحتمالات إعاقته وتعثره وكيفية تفعيله ودفعه إلى التقدم».
(3) وقبل الحديث التفصيلى عن المسيرة التاريخية لتجربة إسبانيا فى التحول الديمقراطى نشير إلى بعض العناصر الأساسية التى تشكل ملف التحول الديمقراطى كما يلى:
■ النظام السياسى: تاريخه، قاعدته الاجتماعية، شرعيته، طبيعته، علاقاته مع باقى الأطراف.
■ المجتمع: ديموغرافيته أو طبيعته السكانية، نمط التحضر ودرجته وتوزعه الجغرافى، مكوناته الدينية والقومية والإثنية.
■ الدولة: مؤسساتها، العلاقة بين السلطات، العلاقة مع المجتمع المدنى.
■ البيئة الإقليمية والدولية.
(4) وتتم دراسة حركية هذه الأطراف قبل وأثناء وبعد التحول الديمقراطى، أولاً فى ظل بيئة لا ديمقراطية سلطوية / شمولية / استبدادية، ثم فى أثناء محاولة الانتقال السياسى وما بعدها، والأهم إلى الآن. وتذكر أدبيات خمس قضايا بارزة مشتركة فى كل تجارب التحول الديمقراطى يتم التعاطى معها، وذلك كما يلى: المؤسسات والحركات الدينية، توزيع الثروة العامة للبلاد وطبيعة علاقات الإنتاج على المستوى الاقتصادى، طبيعة العلاقات العسكرية المدنية، فاعلية العقد أو الميثاق (الدستور) المنظم للعلاقات بين المواطنين والحاكم وما يترتب عليه من قوانين، تماسك المجتمع ودرجة تحديثه.