الطبقة الوسطى ومستقبل مصر «7»: الوعى والتحالفات المجتمعية

يمكن القول إن «25 يناير» هى تعبير عن حراك الطبقة الوسطى بامتياز. الطبقة الوسطى التى نشأت، كما ذكرنا من رحم الدولة الحديثة مطلع القرن التاسع عشر، نتيجة تطور الملكية الزراعية، وبفضل التعليم خرج منها الموظف والمهنى والضابط. وعاشت هذه الطبقة وناضلت بحسابات معقدة، كانت نواة دافعة لثورة 1919 خاصة فى المدن. وكانت هى القاعدة الاجتماعية لثورة يوليو التى من أجلها دافعت دولة ناصر. وجاءت دولة يوليو المضادة الساداتية والمباركية من بعدها حيث تخلت عن الطبقة الوسطى، ما أدى إلى تشرذمها بين الهجرة الداخلية والخارجية والدروشة والعودة إلى الانتماءات الأولية، وتدهور أحوالها.

وجاءت «25 يناير» لتعبر عن «أنين» الطبقة الوسطى. لذا فإن «25 يناير» يمكن اعتبارها – بامتياز – حركة الطبقة الوسطى.

(2)

وكما ذكرنا، عادت الطبقة الوسطى إلى الحياة السياسية، بفضل الطليعة الشبابية الرقمية- القوة الناعمة التى لحق بها شباب الطبقة الخطرة، المهمشون والمنسيون والمتعطلون.

إنهم شباب لا لون لـ«ياقات قمصانهم». وعليه كان المشهد الميدانى يضم كلاً من شباب الشريحة العليا من الطبقة الوسطى بشعاراته التى تتعلق بالحريات، وشباب الطبقة الوسطى: المتوسطة والدنيا بمطالبهم الاجتماعية. وهكذا كان مشهد التغيير عنوانه: الحرية والعدالة الاجتماعية، ترفعه الطبقة الوسطى فى المجمل.

وهو موقف- فى ظنى- يتجاوز موقفها التاريخى الذى كان يجعل الطبقة الوسطى- بحسب عاصم الدسوقى، «مسالمة وغير ثورية»، ومن ثم يجعلها تتجاوز طبيعة نشأتها ليجعلها تشتبك مع الطبقات الحاكمة والنظام السياسى الذى يحميها.

(3)

لا شك أن هناك الكثير من الأخطاء قد ارْتُكبت من قبل الطبقة الوسطى العائدة إلى المجال السياسى فى الفترة الانتقالية التى أعقبت إسقاط الحاكم. من هذه الأخطاء نشير إلى ما يلى:

■ عدم القدرة على الممارسة السياسية وفق المصالح ذات الطبيعة الاجتماعية- الطبقية.

■ الظن أن المعركة السياسية هى معركة الجولة الواحدة.

■ التعبئة على أسس دينية- ثقافية.

■ الانخراط فى كيانات تكونت بسرعة ما هى- كما وصفناها مبكرا – إلا أذرع سياسية لكيانات دينية أو مالية وهو نمط من الانتظام السياسى من حيث الشكل إلا أنه يعيد إنتاج الوضع القائم على أسس ما قبل حديثة، لأنه يقوم على الانتماءات الأولية ومصالح الجماعة الأولية.

(4)

أثق بأن رياح التغيير التى انطلقت لن تسمح بأن نعود إلى الوراء. وأن الطليعة الرقمية «كقوة ناعمة» قد فتحت آفاقاً للمستقبل. إن أهم الخيارات أمام الطبقة الوسطى هو استعادة الوعى الاجتماعى والطبقى، وإدراك أن المسألة الاجتماعية- الاقتصادية هى الجديرة بالطرح والنقاش لتحميها من التشرذم والتدهور. وعلى الطبقة الوسطى أن تفتح مساحات للعمل سياسية ودينية متنوعة، كذلك خلق أنماط من التحالفات مع الكتل المجتمعية العمالية والفلاحية لأنه بهذا ينتظم الجسم الاجتماعى كى يواجه مشاكله الحقيقية من جهل ومرض وتخلف، وأن الموضوع أعقد بكثير من اختزاله فى المسألة الأخلاقية وجعلها الشغل الشاغل للطبقة الوسطى.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern