’’المواطنيزم‘‘...(23): النزعة المواطنية قبلة حياة لأوروبا

’’تمنح النزعة المواطنية قبلة الحياة للبشرية ومستقبلها، من خلال طرحها الفكري وحيويتها المجتمعية، بتأسيسها لزمن جديد‘‘...
حاولنا على مدى سلسلة حلقات ’’المواطنيزم‘‘ “Citizenizm”؛ ال22 السابقة، أن نلقي الضوء على جديد التفاعلات الفكرية والمجتمعية في أوروبا. والتي تشي بأن ثمة ما يحدث يعكس تحولات مركبة على مستوى كل من الدولة والمجتمع...تحولات منبتة الصلة عن كل ما عرفته أوروبا

على مدى قرن من الزمان، وربما أكثر. فكل ما دأب الأوروبيون على المستويين السياسي والمدني على ممارسته منذ الحرب العالمية الأولى، مطلع القرن العشرين، حيث تم استبداله كليا بأطروحات وممارسات جديدة على يد جيل، وجسم طبقي جديدين باتا محل الدراسة العلمية مؤخرا لفهم مجمل ما طرأ على القارة الأوروبية وما سيترتب عليه من نتائج سيكون لها آثار متشابكة ليس في أوروبا فقط وإنما على باقي الكوكب. وهو ما بدأت تجلياته تظهر في أوروبا جديدة يطرحها ماكرون من خلال قمة السبع الأخيرة (نناقشها مستقبلا في مقالات نخصصها حول ذلك).
فما تطرحه، وتضغط في تفعيله واكتماله، ’’النزعة المواطنية‘‘؛ في كلمات واضحة ومباشرة هو ما يلي: أولا: "التجديد". وثانيا: "البحث عن بدائل". بما ينقل الواقع من زمن إلى زمن يتسم ب: أولا: "الطزاجة". وثانيا: بالجذرية/الراديكالية من أجل التحرر من الأبنية القديمة الفاشلة. وثالثا: بالبكارة والنقاء. ورابعا: بالمواكبة للزمن الرقمي. أخذا في الاعتبار أن يكون "المواطنون حاضرون" في هذه العملية كشركاء.
لذا ليست صدفة أن تنطلق النزعة المواطنية" من محصلة "الاستياء والغضب"؛ تعبيران تكررا كثيرا في كثير من الأدبيات. حيال الإخفاقات والانتهاكات والوعود الكاذبة من قبل النخب والمؤسسات والسياسات التي حكمت أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى انطلاقة "الربيع الأوروبي"؛ في نهاية 2011، بحسب الوصف الذي تبناه البعض منهم "سلافوي جيجيك" (أحد المنظرين المعتبرين الجدد الذين يحظون بمكانة فكرية وشعبية في أوروبا. وفي هذا المقام يمكن مراجعة سنة الأحلام الخطيرة ــ 2011)...لقد كان "الربيع الأوروبي"، الذي لم يزل حيا ونشطا، التاريخ الرسمي لذروة نضالات المواطنين على مدى أكثر من نصف قرن ضد الشموليات: أولا: الثقافية في 1968، وثانيا: السياسية في 1989، وثالثا: الاقتصادية في 2008...وطول هذا الوقت، وإلى الآن، تنوعت أشكال التنظيم وأهدافها ومطالبها وانتماءات عناصرها من: قوة خضراء، ويسار جديد، وليبرالية ديمقراطية ــ يمينية ــ جديدة، حركات مطالبية واحتجاجية، وحقوقية، وشعبوية، وقومية،...،إلخ...حيث جمع بين تشكلها، كلها دون استثناء، هو "الاستياء والغضب" من جهة. والرغبة في التجديد وطرح بدائل مغايرة...والأهم هو الصعود المواطني القاعدي أو ما يمكن أن نطلق عليه "المواطنة القاعدية" “Grass-root Citizenship”؛ التي تعني أن صعودا مواطنيا من أسفل أصبح حاضرا وبقوة بات يفرض نفسه على أن هناك "حيوية" جديدة تقول أن العملية الديمقراطية لا يمكن أن تستمر في صورتها التمثيلية المتعارف عليها تاريخيا. وهو ما دفع بفكرة الديمقراطية التشاركية إلى التداول بجدارة...وقد يسرت التقنيات الرقمية ــ إلى حد كبير ــ إمكانية الصعود المتنامي للنزعة المواطنية التي
ويلاحظ هنا أننا نقول بضرورة إعادة النظر في العملية الديمقراطية وليس إعادة النظر في الديمقراطية كما يحاول الترويج "الليبراليون الجدد" أو "الشموليون الاقتصاديون" الذين يريدون فرض رؤيتهم الاقتصادية الشرسة قسرا على الجميع والتي أدت نتائجها إلى زمن اللامساواة الكبرى أو القلة الثروية في مقابل الكثرة المواطنية التي تحظى بالقليل. ما أدى إلى اختلالات بنيوية في الجسم الطبقي الأوروبي دفعت ببروز طبقات فقيرة ومهمشة ومنسحقة. وأخيرا "منبوذة" أو ما يعرف في كتابات "ستاندينج" "بطبقة البريكاريات"، الذي يرجع إليه الفضل في إعادة الاعتبار إلى دراسة التغيرات التي طالت الجسم الطبقي في أوروبا عموما وبريطانيا خصوصا. فكانت دراسته الرائدة عن الطبقة الخطرة أو البريكاريات في المجتمع البريطاني عام 2013...
في ضوء ما سبق، يمكن القول بأن الديناميكية التي وفرتها "النزعة المواطنية" قد جددت أوروبا الراهنة ودفعت بإعادة ترتيب أولويات جدول الأعمال الأوروبي لصالح المواطنين. ونرصد في هذا المقام ما يلي: أولا: إعادة النظر في فهم المستجدات التي طرأت على الجسم الاجتماعي الأوروبي. ثانيا: إعادة النظر في مفهوم دولة الرفاه وفق ما طرأ على المجتمعات الأوروبية من تحولات جذرية مغايرة بالكلية عن أوروبا التاريخية من حيث: طبيعة الدولة، أنماط الانتاج في الزمن الرقمي أو ما بات يعرف باقتصاد المعرفة، تراجع الخدمات، البطالة، بزوغ مسألة عمالية معقدة المستويات، الفساد،...،إلخ. . ثالثا: الرغبة البازغة لدى القوميات الأوروبية للتعبير عن نفسها بصورة أو أخرى. رابعا: الاختلالات الديموجرافية إما بفعل المهاجرين، أو الصعود القومي،...،إلخ. خامسا: انتهاء صلاحية سياسيي ما بعد الثورة الفرنسية وضرورة فتح الطريق لأجيال المواطنية الجديدة. سادسا: انتهاء فاعلية الديمقراطية التمثيلية في ضوء تزايد الحضور المواطني من خلال التقنيات الرقمية وفرض الشراكة المواطنية قسرا. سابعا: الإرادة المواطنية في إعادة بناء الذات الوطنية وإن على حساب العولمة رغم الدور الأوروبي ــ من خلال شركاتها الكبرى ــ وهو ما يعرف بصراع "البوليس ــ الكوزموس أو الدولة الوطنية والعالم ــ الذي تجسد في ملحمة البريكست،...،إلخ...
ما يستوجب في المحصلة تأسيس زمن جديد يقوم على ثلاثة مقومات نتحدث عنها في مقالنا القادم، بمثابة قبلة حياة لأوروبا جديدة...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern