...’’المواطنيزم‘‘...(24): نحو مواطن أوروبي على نحو مختلف

"الديمقراطية"، " البيئة"، "الخيار الاقتصادي البديل"،" نموذج الدولة"، "الخريطة السكانية"، " الموارد الطبيعية"، "اللامساواة"، "العمالة في ظل الثورة الصناعية الرابعة"، "النظم التأمينية والخدمات العامة"، "الشراكة المواطنية"، "الوحدة الأوروبية"، "تطلعات أجيال التعددية الثقافية القديمة والبازغة والوافدة"،...،إلخ.
تشكل الكلمات السابقة، وغيرها،

عناوين موضوعات الحوار التي تشغل العقل الأوروبي الراهن. وهو حوار، يعده المتابعون حوارا غير مسبوق. وذلك للأسباب التالية: أولا: الحضور المواطني الفاعل والنشط على المستويين المؤسسي والحركي، بدرجات متفاوتة، من خلال الحراكات المواطنية القاعدية، والإقبال غير المسبوق على الانتخابات البرلمانية، والإحلال المتنامي للأحزاب التاريخية، يسارية ويمينية، بأحزاب جديدة، وحركات جديدة تلعب ادوارا سياسية ومجتمعية مختلفة.
وعليه ثانيا: لم يعد، هكذا حوار، حكرا على النخبة السياسية التقليدية ــ فقط ــ التي تشكلت عقب الحرب العالمية الثانية. وإنما بات الحوار حاضرا فيه ما يمكن تسميته بمواطني ’’الألفية الجديدة‘‘؛ أحفاد من ثاروا في 1968، و1989، و2008، على الشموليات الثقافية، والسياسية، والاقتصادية التي حكمت على مدى أكثر من خمسين عقدا ولم تأت إلا بإخفاقات متتالية يتبلور ماديا في "لايقين" عام بالمستقبل على جميع الأصعدة.، وكيان مجتمعي هش. ما تحتاج معه أوروبا إلى تعافي.
ثالثا: لا يقف جديد الحوار في أوروبا على العناصر الصاعدة الجديدة التي تتسم "بالنزعة المواطنية"، فقط، المضادة لنخب ومؤسسات وسياسات الأزمنة الشمولية بأشكالها المختلفة. وإنما بما يتبنونه من "أمل" في البحث عن ما يمكن تسميته ’’حياة جديدة كليا: عادلة وحرة وكريمة‘‘. وليس "اصلاح الأحوال القائمة". (أو ما يعرف في بعض الأدبيات ب:" نحو حياة جديدة‘‘؛ و"ليس حياة أفضل"“Towards New Life Not Belter Life”)...
لذا يصنف بعض المتابعين الحوارات القائمة في أوروبا في المنتديات الأكاديمية والسياسية والمجتمعية تحت عناوين عريضة من عينة: أولا: أوروبا في أزمة. ثانيا: أوروبا وكيفية عبور مرحلة التحول. ثالثا: نحو جغرافيا وتاريخ جديدين. رابعا: نحو مجتمع أوروبي جديد. خامسا: بناء أوروبا جديدة.
كما يرصد المتابعون كيف أن الحوار الراهن يتسم بالثراء نظرا ــ كما ذكرنا إلى الحضور المواطني الذي يتنوع بين: أولا: السياسيون الجدد. ثانيا: البيئيون الجدد. ثالثا: الراديكاليون الاجتماعيون الحركيون الجدد بتنويعاتهم المختلفة.
في المحصلة، فرضت "المراجعة الشاملة" نفسها والتي أتت هذه المرة من "أسفل". أي من قبل المواطنين فيما وصفناه "بالنزعة المواطنية" “Citizenism”؛(التي عرضنا لكثير من جوانبها: الفكرية، والحركية، والتنظيمية على مدى 23 حلقة سابقة في سلسلة عنوانها "المواطنيزم"). وهي النزعة التي استجاب لها "الاتحاد الأوروبي" من خلال إعادة النظر في التصورات والسياسات التي يتم اقرارها على مستوى الاتحاد كي تعبر عن تحولات الواقع الأوروبي على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية بالنسبة للمواطنين جميعا دون تمييز. وهي الاستجابة التي تعكس محاولة جادة من الاتحاد الأوروبي كي تكون رؤيته "انعكاسا" حقيقيا لمستجدات "الاجتماع السياسي" الأوروبي على مستويي الحيوية الفكرية والحركية المجتمعية المواطنية...
وتنطلق "المراجعة الشاملة" من عدم قدرة أوروبا على الاستمرار بتوجهات قديمة كانت تصلح في زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية. فالزمن الرقمة أو الثورة الصناعية الرابعة والذي أصبحت أوروبا فيه ذات الكتلة السكانية النصف "مليارية"، والتي يبلغ نصيبها من التجارة العالمية ما يقارب ال30%. ما يعني تجاوز الاتحاد الأوروبي لصورة "الآلة" المؤسسية "لتايكونات" السياسة الأوروبية سواء الذين في الحكم أو المعارضة. (يمكن مراجعة الاتحاد الأوروبي والاجتماع السياسي الأوروبي الجديد ــ 2018"...
وحول هذه اللقطة التاريخية الهامة يشير أحد الباحثين في لفتة فلسفية ذكية كيف أن المبادرة "المواطنية" من أجل "حياة أوروبية جديدة" تأتي هذه المرة من قبل المجتمع أي بضغط ’’مواطني من أسفل‘‘ على النخب والمؤسسات الفوقية العتيدة. إلا أن هذا الضغط الناجح والمؤثر ــ بشهادة المتابعين ــ يجعل المجتمع هو الموجه لحركة المواطنين وما يرونه مطلوبا للتحقيق دون الخضوع لمناورات السياسة ومصالح سياسييها وحلفائهم. حيث جل طموحاتهم هو تفعيل تطلعات المواطنين. وتوجيه عملية الدفع نحو "النموذج الحياتي الجديد"(البراديم)، وذلك من خلال الحوار المجتمعي التشاركي المفتوح بين الجميع (راجع “Top Community Development & Politics of Inclusion”؛ 2017)، يقوم على منظومة مغايرة لما عرفته أوروبا من قبل...أخذا في الاعتبار أن ما كان يجدد أوروبا الداخل تاريخيا هو التدافع المواطني ـــ الذي اختلفت طرق التعبير عنه بحسب كل مرحلة من مراحل التاريخ الأوروبي ــ وليس الكوادر السياسية.(راجع الكتاب المعتبر جدا: "الانتفاضات الحضرية تتحدى الحضرية النيوليبرالية في أوروبا" ــ 2016. أو الحضرية وفق سياسات الخصخصة واقتصاد السوق الخانعة والتابعة والمختلة/المتفاوتة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا في أوروبا). ومن هنا تتم مراجعة مركبة لما يأتي: أولا: الخيار الاقتصادي الأنجع في تحقيق المواطنة الشاملة للجميع. ثانيا: النموذج التنموي الذي يضمن الاستدامة والازدهار. ثالثا: الدولة القوية والديمقراطية القوية التشاركية.
منظومة ذات عناصر متجددة و"طازجة" بالكامل من: أطروحات، وشبكات تواصل، وتكوينات وتحالفات غير نمطية، تتضافر فيما بينها لصناعة التغيير والانتقال المدني الآمن "للحياة الجديدة". أو بحسب أحد الباحثين: "الحياة على نحو مختلف" ومغاير لما عرفته أوروبا من قبل وانتهى بالمواطنين الأوروبيين في التعرض لما اُتفق على وصفه "بالتفاوتات والاختلالات المتسارعة بين طبقات الجسم الاجتماعي الأوروبي"؛ الأمر الذي لا يستقيم حدوثه ولا يليق استمراره.

 


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern