انطلقنا فى تعاملنا مع مشاكل الأقباط من أرضية المواطنة، والتى تعنى لدينا الانتماء المركب للمصرى المسيحى كونه مسيحياً، وفى نفس الوقت مواطنا.. مسيحى الإيمان يختلف مع البعض فى الدين من جهة، ومواطن يشترك مع المختلفين معه دينيا فى الكثير من الأمور بداية من الانتماء الطبقى والمهنة والانتماء الرياضى و..الخ. وعليه ميزنا بين المشاكل ذات الطبيعة الدينية والتى يمكن للكيان الدينى أن يتحاور حولها، وبين المشاكل ذات الطبيعة المدنية التى يتعرض لها المواطن المصرى المسيحى فى المجال العام بسبب الانتماء الدينى. أما الحديث عن الأقباط الملة ذوى المصالح الواحدة والمشاكل الواحدة أو الحديث عن الأقباط الأقلية الدينية التى تواجه أغلبية دينية أظن أنه لا يستقيم مع المواطنة بالمعنى الذى حاولنا شرحه منذ البداية.
(1)
فى الحلقة الأولى وضعنا الأساس النظرى لطرحنا، وحددنا أربع مشاكل ذات طبيعة دينية عرضنا لها فى الحلقة الثانية. فى هذا الأسبوع نقدم أربع مشاكل ذات طابع مدنى يتعرض لها الأقباط فى المجال العام وبعضها يشاركهم فيها المواطنون المسلمون الفقراء. المشاكل الأربع هى: (1) المناخ الثقافى وما يشيعه من ثقافة متوترة بين شركاء الوطن الواحد، (2) الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص، وبخاصة لدى الشرائح الوسطى والدنيا، (3) إضفاء المقدس على المجال العام بما يترتب عليه من انتشار ثقافة مانعة للحياة المشتركة، (4) تراوح الإسلام السياسى فى نظرته إلى الأقباط…
(2)
بالنسبة للتوتر الديني، فإن مصر تشهد مصر منذ العام 1970 (سنة أول حادثة توتر دينى والمعروفة باسم حادثة أخميم وقد سبقت حادثة الخانكة بعامين) أحداث توتر دينى متتالية.. ويمكن القول إننا فشلنا على مدى أربعة عقود فى التعامل مع التوتر الدينى المتكرر. والنتيجة أنه تكونت لدى كل طرف ذاكرة، خاصة، ولدت تصلبا دينيا. الطرف المصرى تعرض لعنف مادى ممتد والطرف الإسلامى وخاصة بعد أحداث 11/9، لديه إحساس بأن هناك من يريد التقليل من الإسلام، وسرنا فى طريق الاحتقان الذى أججه السجال الدينى.
(3)
بالنسبة لمشكلة إضفاء المقدس على المجال العام / السياسى، أو المبالغة غير الطبيعية فى إبراز الرموز الدينية بصخب وبلغة تتضمن مفردات إقصائية كان لها أثرها دون أن ندرى أنها تبدو كأنما تقول إن مصر الكنانة لا تسع التنوع والتعدد من جهة. ومن جهة أخرى فإن تحول العمل العام السياسى والاجتماعى إلى عمل دينى يصبح بموجبه التنافس فى هذا المجال الشأن بين إسلام ومسلمين وغير مسلمين وليس بين تيارات وتوجهات وأفكار متنوعة قابلة للاختلاف. كما أعاد تقسيم المجتمع/ المجال العام على أساس دينى. فباتت حركة الأفراد فى المجال العام السياسى مصنفة على أساس ديني. وهو أمر لابد من تجاوزه بالتأكيد على زمنية ومدنية المجال العام بحسب ما طرح الإمام المجدد محمد عبده فى مطلع القرن الماضى فى ضرورة وجود مسافة بين السياسة والدين.
(4)
ومن المشاكل التى لابد من مواجهتها بحسم هذا التراوح فى الموقف الفقهى من الأقباط حيث لم يزل هناك من يستعيد حديث الذمة، كما أن المراجعات (الخاصة بالجماعات والجهاد) ليست حاسمة فى هذا المقام، بالرغم من اجتهادات معتبرة فى هذا الشأن تجاوزت هذا الأمر. ولا يفوتنى ذكر أن هناك من الأقباط من يقعون فى فخ الحديث عن «الملة» بالمعنى العثمانى، وهو النظام الذى لم تعرفه مصر بشكله الذى كان مطبقا به فى الشام إبان الفترة العثمانية.
(5)
وأخيرا الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص فى الحياة العامة، وهى مشكلة نظن أنها تؤثر على كل الحلقات الضعيفة فى المجتمع، ويزداد الإحساس بوطأتها كلما ازداد التهميش. فالفقير سواء كان مصريا مسيحيا أو مسلما يشعر بها ولكن المسيحى يشعر بها أكثر ويزداد الشعور بالإخلال متى كان فى منطقة نائية لا تمتد لها جهود التنمية، وهكذا. وأتصور أن تفعيل المادة 40 من الدستور حيث المساواة بين المواطنين مطلقة، واستصدار قانون وفق هذه المادة ضد التمييز بكل أنواعه أمر جدير بالدراسة.
(6)
وبعد، حاولت كما ذكرت فى بداية الحلقات أن أجيب على الكثيرين الذين بدأوا يطرحون سؤال ما هى مشاكل الأقباط؟ عقب حدث مطلع السنة.وحاولت أن أطرحها من منظور المواطنة لا الملة أو الأقلية الدينية السياسية، وفى ضوء خبرة بحثية طويلة حاولنا أن نصنف هذه المشاكل بشكل منهجى ووطنى فى آن واحد، لعلها تحسم كى نتفرغ لما يواجه وطننا الذى بالرغم من أى اختلاف يجمعنا.