«نحن حين نراقب الواقع والطبيعة وما حولنا، نرى ما نريد أن نراه، وفقاً لما نعتقد أننا نعرفه عنها فى هذا الوقت، فالواقع/ الطبيعة تتسم بعدم النظام والقوة والفوضى، وبسبب خوفنا من هذه الفوضى نضعها فى إطار نظام ما». «راجع كتاب (عندما تغير العالم) لجيمس بيرك».. هكذا يتعامل البشر مع واقعهم.. يرفضون الجديد ويصرون على استمرار الحياة، حسبما يعرفون، وكثيرا ما تطرأ تغيرات كبرى لا يستطيع الكثيرون أن يرصدوا ملامحها، ويستمرون «كما كانوا» قبل حدوثها.
(2)
فى «الزمانات»، تعامل أجدادنا، لقرون مع فكرة أن الأرض ساكنة لا تتحرك.. كما تعاملوا مع الشمس بأنها هى التى تدور حول الأرض، لم يقدروا أن يتخيلوا ما هو أكثر من ذلك. حدث ذلك لأن المعرفة السائدة: العلمية والدينية ـ آنذاك – لم تكن تمكنهم إلا أن ينحازوا إلى التصورات البسيطة المباشرة، وعليه وضعوا رؤيتهم للطبيعة والواقع وما حولهم وللعلاقات بينهم وفق ما يعرفون من معارف.. الأخطر أن «التكلس» يكون من نصيب هؤلاء بسبب طول المدة التى ركنوا فيها إلى معرفة معينة، ومن ثم إذا حدث أن فتح الله على أحدهم / البعض برؤى معرفية أخرى تختلف مع ما استقرت عليه البشرية لزمن ويأتى من يتمرد على ما هو سائد بتصورات جديدة مؤذناً بتأسيس جديد ومعرفة جديدة، وبالتالى حياة جديدة بفعل ما سينتج من تطبيقات حياتية جديدة.. تحدث الفرقة، بين نظامين معرفيين أحدهما ينتمى إلى الماضى والآخر إلى مستقبل قيد التشكل.. وهنا تكون كل السيناريوهات مفتوحة.
(3)
فى إطار المجتمعات الديمقراطية، يكون قبول الجديد أكثر أريحية.. لا أحكام على الأفراد بأنهم «مارقون» أو «خارجون» على ما هو مستقر.. ولكن «البرهان» هو الحكم.. والبرهان هنا يتم من خلال عملية مؤسسية تملك من القدرات المعرفية أن تجعل الانتقال من الزمن القديم إلى الزمن الجديد ناعماً وطبيعياً ويسيراً، الأكثر أنها تخلق طلباً عليه.. ويجد أصحاب الجديد أنفسهم فى مواضع تمكن من نشر منظومة المعرفة الجديدة كى تكون حاكمة ومحركة فى شتى المجالات.
(4)
أما المجتمعات الاستبدادية، فإنها تواجه الجديد بكل قسوة، وربما يلقى أصحابه بئس المصير أو على أضعف الإيمان يتم إهمالهم وإنكار ما يحملون من جديد.. وتنسد السبل أمام الانتقال إلى الزمن الجديد، وأن يتم الاعتراف بالجديد وأصحابه.. ويزداد الموقف المتعسف من الجديد إذا ما ارتبط بتهديد لمصالح القديم، خاصة إذا ما تضافرت فى القديم كل من: «الثروة والسلطة والمعرفة القديمة».. هنا تكون المعركة كبيرة ومعقدة بحق.. قديم لم يزل يستخدم تقنيات قديمة ـ ذات آثار سلبية على المجتمع والمواطنين ـ تدر مالا وفيرا على قلة ثروية مدعومة ببعض من فى السلطة.. كيف يمكن هنا فى هذه الحالة الاستجابة لمعرفة جديدة مغايرة تماماً لما هو قائم.. كذلك مؤسسات تعمل بمعايير أزمنة غابرة، كيف لها أن تواكب العصر وتحقق التحول المطلوب.. إلخ.
الخلاصة.. ماذا إذا كان الجديد متجاوزاً المنظومة القديمة بالكامل بمستوياتها المتعددة؟
(5)
فى هذه الحالة.. سيحدث كما حدث مع شباب 1968 فى فرنسا، الذين رفضوا تكلس السلطة واجترارها للقديم، فرفعوا شعار: «المنع ممنوع» فى مواجهة «استئثار قلة بالمنح».. نحن فى حاجة إلى إيجاد صيغ تسوية تاريخية، لجعل «لحظة التحول التاريخية بين زمنين» ناعمة قدر الإمكان.