رئاسيات (2): التحرير من ثقافة الاستفتاء إلى الانتخاب وأكثر

اليوم ينطلق- نتمنى- نصف الشعب المصرى، تقريبا، لانتخاب الرئيس الجديد. رئيس يأتى من بين عدة مرشحين بعد تراث طويل من الاستفتاء حول شخص واحد والذى كان يأتى بنسبة تزيد على 99%. إذن نحن ننتقل من ثقافة الاستفتاء إلى ثقافة الانتخاب وهى نقلة نوعية لاشك. ولكن- وآه من لكن دوما- وحتى يكون الانتقال نوعياً ليس من حيث الشكل/ والإجراء فقط، فلابد أن يمتد إلى المضمون.

(1)

أقصد أن النقلة النوعية لن تكتمل ما لم نتجاوز التصويت القائم على الولاء القبلى، والتصويت الموجه فى ضوء الأساطير التى ترسم لتسويق مرشح معين، ورفض «تصويت القطيع»، كذلك التصويت الدينى. المسألة ليست بالشكل إنما بالمضمون. لقد حاولت بعض الفرق أن تجعل من الانتخابات معركة دينية أو معركة حول الهوية وتنادى فى الناخب «جهاده» ليقوم الناخب «المُجاهد» ويؤدى فريضة الجهاد، وكأنها معركة لن تتكرر ولن يكون فيها تداول. بينما المسألة فى الأساس اقتصادية- اجتماعية. أى مصالح لابد من فهمها، ومن مع من؟ وحقوق كل منا أين ؟ وكيف ستتحقق؟

(2)

لم يعد من المفيد إذن تسويق مرشح ما باعتباره «المرشح الرجل» الذى «سيعدلها لأنها مايلة». ولا المرشح «الملهم»…إلخ. لابد من إدراك أن المرشح الذى سيعبر عن شبكة المصالح دون باقى المواطنين لن يستمر طويلاً. كما أن المرشح الذى لا يدرك جديد العالم وسيلجأ إلى ما هو متعارف عليه ومن ثم إعادة إنتاج القديم لن يستمر طويلاً. وحتى المرشح الذى ربما يستخدم مصطلحات حداثية دون أن يملك مقوماتها فنقول له إن الأمر جد أعقد من الاستخدام اللفظى. كما أن المرشح الذى يردد ثقافة ما قبل حديثه لن يعمر طويلا.

(3)

إن الحراك الشبابى الثورى الذى انطلق فى التحرير، الميدان، (الشهداء والمصابين والمفقودين والمناضلين) إلى الآن قد حرروا النظام السياسى المصرى من الاستفتاء كثقافة تنعكس فى كل تفاصيل المشهد. ومنحوا جيلنا أن يشهد الانتقال إلى ثقافة الانتخاب ويكون هذا بحق تأسيساً جديداً لأجيال قادمة. إلا أن ثقافة الانتخاب لا ينبغى أن تقف فقط على العملية الإجرائية، وإنما يجب أن تمتد إلى تحرير شامل لمصر.

تحريرها من الجهل والفقر والمرض والظلم،

تحرير إرادتها الوطنية،

تحريرها من القبلية والطائفية،

ذلك بتمكين مواطنيها أن يبدعوا وينفتحوا على الدنيا الجديدة، وإطلاق فعل المواطنة، وتجديد مؤسسات مصر، وتبنى نموذج تنموى مبتكر يضمن الرفاه وإقامة العدل على كل المستويات أو العودة كما أشرنا أكثر من مرة إلى «الجمهورية العادلة/ المعتدلة» بين الأغنياء والفقراء، بين الرجال والنساء، بين المختلفين ثقافياً ودينياً، بين الأجيال،…إلخ.

(4)

إن فعل التحرير- بمحطاته المتعاقبة: البالون وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد… إلخ، قد كشف عن القدرة الكامنة لهذا الشعب صاحب المركب الثقافى المتعدد العناصر، والذى بدونه لا تصبح مصر مصرا. والتى ظن البعض لأسباب تتعلق بتواضع الثقافة وضيق الأفق أنه قد دانت لهم الغلبة ومن ثم إقصاء الآخرين. كما لم يعد مقبولاً الاستماع لكلام من عينة «مصر لسه مش جاهزة لهذه الخطوة». من يحدد ذلك؟!.. ولماذا لا تكون جاهزة؟ وإذا كان الأمر كذلك من المسؤول؟ لقد فات هذا الوقت…

التحرير حررنا ولن نعود إلى الوراء.

نحن اليوم ننتخب رئيساً من ضمن مجموعة مرشحين وذهب الاستفتاء إلى غير رجعة…

وننتظر ما هو أكثر من ذلك أن يمتد فعل التحرير إلى العقول كى يكون الانتخاب على أسس موضوعية لا قبلية أو دينية أو يتحكم فيها المال. بالتحرير إلى ما هو أكثر وأكثر وأكثر…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern