رئاسيات (1) مصر الجديدة.. رئيس جديد

«هتنتخب مين؟».. سؤال الساعة، السؤال الذى يتبادله الجميع فى كل مكان، سؤال يحمل فضولا من السائل من جهة، لكنه فضول لا يخلو من احتياج إلى «التونّس» بالرأى، من جهة أخرى.

(1)

لم يتم الانتهاء بعد من كتابة الدستور، حسبما كان مخططا فى خارطة الطريق التى ترتبت على الاستفتاء الشهير «19 مارس 2011»، الذى كان بمثابة عراك دينى بين المصريين على غير أساس بما مثَّل انحرافاً عن مسار الحراك الوطنى الذى انطلق فى 25 يناير 2011. خارطة الطريق التى جعلتنا نخل بترتيب الاستحقاقات، لأن هناك من ظن أن «المغانم» قد دانت وأن الدولة يمكن أن تبنى «بالغلبة»، وهكذا مثل الخلل انقطاعا عن مطالب وتضحيات «الميدان»، فافترق «البرلمان» بمساره عن مسار «الميدان»، وتعثر إعداد الدستور، الذى كان يجب أن يكتب أولا، حسب خارطة الطريق، وحل استحقاق الرئاسة، ونسينا الدستور.

انشغلنا بانتخابات الرئاسة وخطفتنا الآلة الإعلامية بوسائلها المتنوعة، لنلهث وراء المرشحين المحتملين وبرامجهم ورؤاهم لمصر الجديدة، على الرغم من عدم الانتهاء من كتابة الدستور، حسبما كان مخططا. الدستور الذى حاولنا، على مدى سبعة مقالات، أن نشير إلى جوهره وأهميته وأنه ليس نصا أخلاقيا أو إنشائيا وأنه يعكس توازنات المجتمع ونمط إنتاجه وما يترتب على ذلك من علاقات مجتمعية، والسياق الذى يكتب فيه والتمييز بين الدستور الحركة والدستور النص… إلخ.

على أى حال ها هو قد حل استحقاق الرئاسة ونبدأ معا فى إبداء بعض الملاحظات:

(2)

بداية لابد من التأكيد على أن مياهاً كثيرة جرت فى الواقع المصرى. نعم لايزال السياق المجتمعى بأبنيته المختلفة ينتمى إلى ما هو قديم، إلا أن القطعى أن هناك شبابا يفرحون أو من أطلقنا عليهم «الطليعة الرقمية» التى واجهت «السنج» بـ«السوفت وير» وقت موقعة الجمل. هؤلاء الذين يبدعون بمبادراتهم القاعدية فى كل مكان وفى شتى المجالات عمليا. كما يعلقون من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، فى كلمات مقتضبة رشيقة وذكية وفى الصميم، على ما يحدث من وقائع وأحداث وشخصيات.

هؤلاء هم المستقبل، المتحررون من أبنية الماضى التقليدية بعلاقاتها النمطية. كذلك متحررون من حسابات النخب القديمة وخلافاتها. متمردون على الواقع المثقل بالنواهى والمحاذير والتوازنات، فبات كل شىء مباحا على نمط ما أقدم عليه شباب 1968 فى فرنسا. فعندما بات القديم يعوق الكتلة الشبابية الصاعدة كان لابد من الخروج عليه.

(3)

لم يكن التمرد الشبابى هو الجديد – فالتمرد سمة الشباب – وإنما الجديد هو الإصرار على التعبير عن هذا التمرد بشكل علنى ومنظم…والضغط على المجتمع بأنه لن يفيد الردع فى هذه المرة، كذلك على المجتمع قبول التنوع الشبابى، وأن الأسرار التى يحملها جيل الكبار ولا يقوم بنقلها إلى جيل الشباب، إلا بقدر ما يظهرون من ولاء لهم، أصبحت متاحة لهم – كشباب – بحكم التقدم العلمى والتكنولوجى. وعليه فلم يعد سر الاختراع ملكا لأحد.. لم يقف الاحتجاج عند هذا الحد، بل امتد ليشمل الاعتراض على مواقف السياسيين الذين يبررون سياسات غير عادلة وغير إنسانية، وعلى النظام التعليمى والاقتصادى، وعلى رموز ومضمون كل من الإعلام والثقافة والخطاب الدينى، حتى الحركات ذات الطابع الراديكالى لم تنج من احتجاج الشباب… إلخ.

كانت هذه رسالة شباب 1968 وأظنها حاضرة فى حالتنا أضعافاً مضاعفة بسبب التقدم المطرد فى تقنيات المعلومات التى بات شباب اليوم فى مصر على يد طليعتها الرقمية يملكون مفاتيحها. ويضاف إلى ذلك وبشكل واضح – وهو ما يمثل سببا موضوعيا للحراك الشبابى فى مصر – الحالة المزرية التى وصلنا إليها من غياب العدل، وسوء استخدام السلطة الأبوية بشكليها القديم والجديد، وامتهان الشباب، وغياب الكرامة، وترهل المؤسسات، فكانت ثورة 25 يناير وانطلاق الكتلة الشبابية انطلاقة وصلت إلى الاستشهاد، إيذانا بأن مصر جديدة قادمة لا محالة، بالرغم من محاولات الحصار.

مما سبق تأتى الانتخابات الرئاسية، ما يعنى أننا فى حاجة إلى رئيس جديد لدنيا جديدة.

لمصر جديدة.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern