رئاسيات (3):شرعية الكتلة الجديدة

«النظام الحاكم يكون شرعياً عند الحد الذى يشعر معه مواطنوه بأن ذلك النظام صالح ويستحق التأييد»…

(1)

على الرغم من أن نسبة المشاركة الشعبية فى انتخابات الرئاسة دارت حول الـ50 %، إلا أن النتيجة النهائية لما أسفرت عنه الانتخابات تشير كافية لترسم لنا خريطة مصر السياسية والاجتماعية، وفى الوقت نفسه توضح لنا العملية التى تحاول فيها القوى المختلفة أن تبنى لها شرعية الوجود وأن تحظى بتأييد المواطنين لأن لديها الصلاحية/ والقدرة فى أن تحكم (إذا ما استعرنا تعبير ماكس فيبر). هذه العملية يطلق عليها: «عملية بناء الشرعية»، التى تعكس فى الوقت نفسه صراعاً بين القوى السياسية حول اكتساب الشرعية.

(2)

فى هذا السياق جرت الانتخابات الرئاسية. وقد عكست النتائج كيف أن هناك كتلة تصويتية ذهبت أصواتها (11 مليوناً) إلى طرفين هما: المرشح الدينى ومرشح القوة والأمن بالتساوى تقريباً. البعض يرى أن هذين الطرفين متناقضان إلا أنى أتصور أن هذين الطرفين منذ الاتفاق الشهير بين السادات والتلمسانى قد باتا جزءاً من شرعية دولة يوليو مرة بالتفاهمات المعلنة وغير المعلنة ومرة بالصفقات، وبالرغم من المطاردة والملاحقة الأمنية للتيار الدينى فى بعض المراحل إلا أن الخيط ظل موصولاً. وربما هذا ما يفسر سر التراوح فى موقف الإخوان من ثورة يناير.. نعم مثلا تجلياً مضاداً لتجلى المرحلة الناصرية ولكنهما ظلا فى إطار ذات الشرعية. لذا نعتبرهما طرفين فى سياق شرعية واحدة.

(3)

من هنا يأتى حديثنا عن شرعية الكتلة الجديدة التى يبلغ عدد أصواتها 10 ملايين صوت (كما أشرت فى أكثر من حديث عقب الانتخابات مباشرة) إنهم المواطنون الذين نزلوا من منازلهم بوعى تام وإرادة حرة ليعطوا أصواتهم لحمدين صباحى وعبدالمنعم أبوالفتوح وعمرو موسى وخالد على. مواطنون يرغبون فى أن يروا مصر جديدة مختلفة. ليست مصر الدولة الدينية أو بالأحرى «الجماعة المغلقة»، ولا مصر الليبرالية الجديدة أو فى الواقع «شبكة الامتيازات المغلقة». وإنما يريدون مصر الجديدة التى تقوم على الكرامة الإنسانية/ العيش والحرية السياسية/ العدالة الاجتماعية. مصر المدنية التى ليست فى خصومة مع الدين. والحضرية وليست التقليدية والقبلية.

إنها كتلة تصويتية جمعت بين الثوريين والإصلاحيين بالرغم من التناقض الظاهرى، إنها الكتلة الجديدة الصاعدة.

(4)

ويمكن القول- وبشكل محدد- بأن الأصوات التى تزيد على الـ8 ملايين، والتى ذهبت إلى كل من حمدين صباحى وعبدالمنعم أبوالفتوح تعبر بالأساس عن طبيعة الكتلة الجديدة. فمن الناحية الاقتصادية تعبر عن الطبقة الوسطى بشرائحها، وجيليا تعبر عن شرائح واسعة من الشباب. وحضرياً نجد من ينتمى لهذه الكتلة هم فى الأغلب من أبناء المدن والمناطق الحضرية. وفكرياً نجد هذه الكتلة وقد رأت فى حمدين صباحى يقدم ناصرية جديدة أو بالأحرى تجديداً للوطنية المصرية، كما رأوا فى عبدالمنعم أبوالفتوح مجدداً للرؤية الإسلامية. وكلاهما لم يكن وراءه تنظيم ولم يعتمد على «وكلاء الأصوات» من رجال الدين، ولا على القبائل والعائلات القديمة والبنى القديمة.

وأظن أن المقولة التى شاعت صحيحة، ألا وهى أنه فى داخل الأسرة الواحدة أعطى الآباء أصواتهم لمرشحى «التنظيم/ الجماعة» و«شبكة أصحاب المصالح»، وأن الأبناء أعطوا أصواتهم لصباحى وأبوالفتوح.

(5)

الخلاصة هناك كتلة جديدة صاعدة تتبلور. تبنى شرعيتها بإرادة حرة بعيدا عن التصويت التنظيمى الموجه للشبكة أو للجماعة. شرعية قائمة على أن هناك كتلة قادرة على أن تمنح الرضا والتأييد لمرشحين غير محسوبين على البنى القديمة. وإذا كانت العقود السابقة قد سمحت بأن يكون التنافس بين الأقلية الثورية من جهة والتيار الدينى من جهة أخرى بشكل عام، فإن كتلة جديدة صاعدة باتت تنافس بعيدا عن حيل الانتخابات التى يعرفها أهل النظام وبعيداً عن التعبئة الدينية.

وأى إهمال لهذه الكتلة فى أن تكون ممثلة بشكل حقيقى سيؤدى بها إلى أن تكون كتلة ذات شرعية موازية، ما يعنى أن موجة ثانية لحراك ثورى ستكون قادمة قادمة.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern