نواصل قراءتنا لكتاب «بلاغة الحرية: معارك الخطاب السياسى فى زمن الثورة»، للدكتور عماد عبد اللطيف (دار التنوير القاهرية ـ 2012). فبعد خطابى «الميادين: الاحتجاجى الثورى»، و«الشاشات: المقاوم والمُجهض للثورة»،… نعرض لخطاب: «محترفو الصناديق»… وكعادة المؤلف يستعير دور الراوى من أدب المسرح، مقدما كل قسم من أقسام الكتاب بكلمات تهيئ القارئ لما سيعرض عليه وفى نفس الوقت تلخص رؤية المؤلف للفئة التى يتعرض لتحليل خطابها فى سطور مكثفة… فماذا قال عن «محترفى الصناديق» (الانتخابات) فى التمهيد للقسم الثالث (والأخير) من الكتاب:
يقول المولع بالسلطة، محترف الصناديق:
امنحونى أصواتكم، فجعبتى ملأى بالوعود،
وإن لم يكن الصوت لى، فليكن للرب الذى ائتمنى ـ وحدى ـ عليه!
محترفو الصناديق لدى المؤلف هم من ينتمون للقوى الإسلامية واعتمدوا التعبئة والحشد على أسس دينية وطائفية فى الانتخابات خاصة فى فضاءات جغرافية تتميز بالفقر مثل: النجوع والكفور، وأطراف المدن الحدودية، وقلب المناطق العشوائية، إنه الخطاب الذى «عصف بالتوافق الوطنى» الذى انطلق مع حراك 25 يناير… يقوم خطاب «الحشد الانتخابى» لدى القوى الإسلامية على «تطبيق شرع الله»… ويشير هنا المؤلف إلى أمرين هما:
* أن «جزءاً من قوة هذه الحجة يكمن فى أنها تستميل وتداعب الميول الدينية لدى المهمشين… وهى بذلك تحول التصويت السياسى إلى فعل دينى؛ لا ينجز لصالح الوطن، وإنما لمرضاة الله؛ وبذلك فإن الصوت لا يذهب للأكفأ سياسيا، وإنما للأقدر على التماهى مع صورة التقى والمتدين».
* انتقال دائرة النقاش من «المجال السياسى إلى دائرة العقيدة»… النتيجة، أن كل نقاش يطرح نفسه حول القضايا الحياتية المتنوعة التى تهم المواطنين سوف يعتبرها «محترفو الصناديق» نقاشات معادية للدين… وفى هذا السياق يرصد لنا المؤلف من خلال متابعته للانتخابات والاستفتاءات المتعاقبة سبعة أنواع تصويتية «سلبية» وذلك كما يلى:
* تصويت: «العميان»، و«القطعان»، و«الجوعان»، و«الغفلان»، و«الغضبان»، و«الطمعان»، و«الخوفان».
وفى المقابل هناك «نوعان من التصويت» وصفهما بالرشد هما:
* «التصويت الفردى» و«تصويت الأنصار».
ويشير المؤلف إلى أن هناك «أنواع تصويت تشكل خطورة حقيقية على تجربة الديمقراطية الوليدة فى مصر تلك التى تستخدم الدين: نصوصا وعلامات وحججا، بوصفه أداة للدعاية الانتخابية»…
وحول خطورة استخدام الدين فى الخطاب السياسى «الحشدى/التعبوى» وكيف يؤسس ذلك للاستبداد… يستحضر المؤلف؛ قول الكواكبى: «بين الاستبدادين الدينى والسياسى علاقة لا تنفك، متى وجد أحدهما فى أمة جر الآخر إليه»… فخلط النسبى/الزمنى بماهو دينى مطلق يؤدى إلى الاستبداد لا محالة… لذلك يرصد لنا المؤلف كيف حرص بعض من محترفى الصناديق على أن يرسموا صورة لأنفسهم ـ وصفها المؤلف ـ «بالسياسى المؤمن»… دلالتها أن يمتلك الشخص وخطابه قوة استثنائية «من خلال الدين»… مما يعزز قوته وقوة خطابه… ويواصل المؤلف تحليله لخطابات مرشحى الرئاسة…
يختم المؤلف كتابه بقوله: «لقد كشفت الفترة الانتقالية… عن الثمن الباهظ لحروب الخطاب»… وإذا «كان المصريون حريصين بصدق على تجنب مصير أشبه بمصير بابل وأهلها فى الأسطورة السابق ذكرها، فإنهم بحاجة ماسة إلى إصلاح الخطاب، لعل تغيير اللغة التى نتكلم بها عن خلافاتنا وصراعتنا السياسية يكون خطوة مهمة فى تغيير منظورنا وتقييمنا لهذه الخلافات والصراعات نفسها»…