المشهد الانتخابى (2): «ديليفرى» و«نقل جماعى».. وسياسة

يمكن تلخيص المشهد الانتخابى بمرحلتيه الأولى والثانية، وجولتى الإعادة الأولى والثانية، التى تقام اليوم وغداً، فى كلمات ثلاث تعكس السلوك الانتخابى للناخبين. الكلمة الأولى: «الهوم ديليفرى»، و«النقل الجماعى»، و«القليل من السياسة».

(1)

بداية لابد من الاحتفاء بالإقبال الكبير على العملية الانتخابية الذى يعكس قدراً من المسؤولية والتحرك الإيجابى لاشك مقارنة بما قبل، حيث سجلت المشاركة السياسية نسبة تقترب من الـ60%، أى بزيادة 435% على الأقل. إلا أن القراءة الأولى للسلوك التصويتى تقول لنا إن السلوك التصويتى لم يقم بشكل واضح وحاسم على تحيزات سياسية واجتماعية، أو تفضيلاً لبرامج دون أخرى أو لسياسات تعبر عن القوائم الحزبية أو المستقلين الأفراد. لقد خلقت ثورة 25 يناير – قطعاً – حالة وطنية عامة حركت الكثيرين الذين فى الأغلب غير «مسيسين» ولم يمارسوا السياسة عبر عقود لانسداد المجال السياسى أمامهم من جهة، ولثقافة تؤثم العمل السياسى من جهة أخرى، وتسمح بالتحرك فى المجال الاقتصادى دون غيره وبالكثير فى العمل الاجتماعى وتحديدا فى العمل الخيرى، خاصة فى المجالات التى تعوض الغياب التام للدولة من جهة ثالثة، وهنا لا بأس من التنظيم وسرعة الإشهار مادام يتم مد شبكة الأمان الاجتماعى وتغطية انسحاب الدولة.

(2)

فى هذا السياق تمت العملية الانتخابية، وفوجئت شرائح اجتماعية تأثرت بالحالة الوطنية العامة وبالتغيير غير المسبوق فى تاريخ مصر الذى تمثل فى إسقاط الحاكم وبداية المناداة بتأسيس جديد لدولة المواطنة التى يستحقها المصريون، بأنها لابد من أن تشارك. المشكلة كانت: على أى أساس يكون التصويت؟ لقد كان الجاهز للعملية السياسية – كما ذكرنا فى مقالنا السابق – هو الكيانات الدينية والمالية التى قامت بتأسيس أذرع سياسية لها، بينما التكوينات السياسية القديمة كالتجمع والوفد والناصرى والتكوينات السياسية الجديدة كالوسط والعدل والأحزاب الثورية أو الائتلافات السياسية كالثورة مستمرة – لم تجد الوقت الكافى للتنافس الطبيعى، لذا لم يكن مصادفة أن تلتحق الأحزاب القديمة بالأذرع السياسية للتكوينات الدينية والمالية والقبلية. وخاضت فى الواقع الأحزاب الجديدة.

(3)

فى ضوء ما سبق وجدنا السياسة بطريقة «الهوم ديليفرى» من جانب، سمة التعبئة السياسية «تجاوزاً» للأذرع السياسية للتكوينات المالية، فلقد قامت هذه الأذرع بإعداد قوائم الأسماء التى يجب أن يصوت لها الناخب بغض النظر عن البرامج والأفكار، ويتم إرسال القوائم حتى الناخب بمنطق الإجابات النموذجية للطالب، فالوقت لا يسمح بالتفكير حول جدارة المرشحين وهناك من يقوم بالمهمة بالنيابة عن الناخبين ويوفر خدمة «السياسة الديليفرى» لهم، خاصة أنه لا توجد خبرة سياسية لهم أو تكوين سياسى يسمح بغير ذلك على الأقل فى حدود الوقت المتاح.

(4)

على الجانب الآخر كانت الأذرع السياسية للتكوينات الدينية التى عملت مع الناس ـ قاعدياً ـ عبر العمل الاجتماعى، تقوم بتوفير نقل جماعى للناخبين وهو ما يعكس التزاماً أيديولوجياً يتجاوز السياسى النسبى لما هو أكثر من ذلك حيث العملية الانتخابية معركة حياة أو موت.

(5)

ونتيجة للانتخاب وفق «الهوم ديليفرى» المرسل أو النقل الجماعى لأرض المعركة بات الاختيار يتم بمنهج المخالفة حيث الثانى مختلف عن الأول، والأول مغاير عن الثانى، ويكمن الاختلاف فى الثقافى بالأساس. لم يمنع ما سبق بطبيعة الحال أن يكون على هامش العملية الانتخابية قليل من السياسة التى أتت بأسماء تتجاوز الدينى والمالى، وتعكس أن هناك من شارك فى العملية التصويتية على أساس سياسى، وأنه بإرادة حرة واعية اختار فلاناً أو علاناً وفق معايير تعبر بالأساس عن رؤية للبرنامج السياسى الذى بالضرورة لابد أن يعكس تحيزا طبقيا واجتماعيا كما يقدم رؤى للسياسات التى يجب أن تكون، فالتصويت «الكتلى» – إن جاز التعبير – لا ينتمى للسياسة بأى حال.

والمفارقة إذا ما تعمقنا فى هذا المشهد أننا سنجد أن البعد الاجتماعى مهما توارى وراء المال والدين فإنه دائما حاضر، وهو ما تتيحه القراءة السكانية الحضرية للمشهد الانتخابى.. التى نواصلها فى المقال المقبل.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern