رامى عطا صديق
كاتب وباحث
مدرس الصحافة والإعلام- مصر
Ramyatta610@yahoo.com

مقدمة:
ينطوى مبدأ المواطنة على مفهوم رئيسى يتمثل بشكل أساسى فى تأكيد كل من المساواة والمشاركة بين جميع المواطنين فى الحقوق والواجبات بدون تمييز. ومن ثم عدم التمييز بين المواطنين على أساس الانتماء الدينى (مسلم- مسيحى-.. الخ) والمستوى الاقتصادى- الاجتماعى (غنى- فقير، متعلم- أمى-..) والتنوع الفكرى والأيديولجى (ليبرالى- اشتراكى-..)، بالإضافة إلى عدم التمييز بين المواطنين على أساس النوع الاجتماعى (Gender): (رجل وامرأة).

ذلك أن المواطنة حق أصيل لكل مواطن، فالمواطنة ليست منحة، أو عطية أو هبة، يمنحها الحاكم للمحكومين، ولكنها حق المواطن. والمواطنة حق لجميع المواطنين، لكل الشرائح والطبقات، للرجل والمرأة، الغنى والفقير، للأغيار دينياً، والمختلفين فكرياً وأيديولوجياً.. الخ. كما تقوم المواطنة على أساس التكافؤ بين المواطنين لا على أساس التمايز.
ومن ثم فإنه- وحسب مبدأ المواطنة- فإن المرأة هى مواطنة كاملة المواطنة، إذ لا ينبغى التعامل معها على أنها غير كاملة المواطنة أو ناقصة المواطنة. بل من الواجب أن يتم النظر إلى المرأة باعتبارها شريك أساسى للرجل وفاعل رئيسى فى النهوض بالمجتمع تشارك فى الإنتاج كما تشارك فى صُنع الحضارة وتحقيق التقدم الإنسانى.

إن المرأة، بتعبير المصلح الاجتماعى المصرى قاسم أمين (1863- 1908م)- والذى يُلقبه المفكرون والمؤرخون المصريون بـ "محرر المرأة"، إنما هى "إنسان مثل الرجل".
تراث الدراسات الإعلامية
تُشير الكثير من الدراسات التى أُجريت حول المرأة والإعلام، العربى عامة والمصرى خاصة، إلى مجموعة من الأمور التى تؤكد على انتقاص الإعلام بشكل أو بآخر من مواطنة المرأة، ولعل من بين أبرز نتائج تلك الدراسات أنه:

تتفق وسائل الإعلام المقروء والمرئى والمسموع فى التركيز على الأدوار التقليدية للمرأة كزوجة وأم وربة بيت، بينما لا تنال الأدوار الأخرى للمرأة فى مواقع الإنتاج والمشاركة الاجتماعية والسياسية والثقافية والإبداعية إلا اهتماماً ضئيلاً وهامشياً.
تركز وسائل الإعلام العربية على مراحل معينة فى حياة المرأة، من سن 20 إلى 40 عاماً، حيث سن الخصوبة فتولى عناية فائقة للمرأة كزوجة وكأم، بينما يقل الاهتمام بأدوار المرأة وحقوقها فى مراحل الطفولة والمراهقة والشيخوخة.

تركز السينما والدراما التلفزيونية على أدوار تقليدية للمرأة تنحصر فى الزوجة الخاضعة للزوج والأم المعطاءة والمنحازة للذكور والابنة المطيعة لوالديها، فضلاً عن شيوع نموذج المرأة اللاهثة وراء الثروة.

تركز وسائل الإعلام على قطاعات محدودة من النساء تتمثل فى الشرائح العليا من سكان المدن، بينما تتجاهل نساء الريف والقطاعات الشعبية من نساء الحضر. ومن ثم الاهتمام بالمرأة فى المدينة/ العاصمة على حساب المرأة الريفية. حيث يقل اهتمام وسائل الإعلام بالاحتياجات الثقافية والاتصالية للجماهير النسائية فى الريف والقطاعات الشعبية من نساء الحضر. ومن ذلك أنها لا تنظم حملات إعلامية كافية للتوعية الصحية والبيئية أو للثقافة الأسرية للقطاعات النسائية المحرومة من هذه الخدمات.
تولى وسائل الإعلام اهتماماً مبالغاً لبعض المهن النسائية مثل اهتمامها بالفنانات والرياضيات وسيدات الأعمال وسيدات السلك الدبلوماسى، وذلك على حساب مهن أخرى مثل المعلمات والطبيبات والمحاميات والباحثات والفلاحات والعاملات.

تركز وسائل الإعلام على مجموعة من القيم التراثية التى تؤكد على مشروعية التمايز الاجتماعى والثقافى بين الجنسين باعتباره من الأمور الطبيعية التى لا تقبل الجدل أو النقاش.
تتميز السياسات الإعلامية بالانتقائية والتحيز ضد الإناث، ويبرز هذا بوضوح فى أسلوب الحوار سواء فى الأعمال الدرامية أو فى برامج المنوعات عبر شاشات التليفزيون حيث يتم توظيف تراث الحكم والأمثال والقصص الشعبى فى إعادة إنتاج الصور التقليدية للعلاقات بين الرجل والمرأة وبينهم وبين أطفالهم.
لا يطرح الإعلام رؤية متوازنة لأدوار ووظائف ومسئوليات وحقوق المرأة والرجل داخل الأسرة، بل إنه يتجاهل الإشارة إلى واجبات ومسئوليات الرجل ويركز على المسئوليات والواجبات التقليدية للمرأة.

تأتى موضوعات المرأة فى ذيل القائمة الإعلامية بعد الموضوعات السياسية والاقتصادية والرياضية، وموضوعات الفن والأدب والجريمة، كما تفتقر المعالجات الإعلامية إلى التوازن النوعى بين الجنسين فى مختلف القضايا التى يتناولها الإعلام العربى حيث لا يتم الاستعانة بآراء النساء فى مختلف القضايا إلا بنسبة ضئيلة، حيث يغلب الاعتماد على أراء المتخصصين من الرجال.

نماذج أخرى من مظاهر الانتقاص من مواطنة المرأة
ويُشير واقع الممارسة الإعلامية كذلك إلى بعض المظاهر الخاصة بالانتقاص من مواطنة المرأة، ويمكن التطبيق هنا على واقع الإعلام المصرى، والذى يتشابه فى ممارسته الإعلامية مع بعض دول المنطقة، وذلك على النحو التالى:

الاهتمام الموسمى بالمرأة
تهتم معظم وسائل الإعلام، المكتوب والمسموع والمرئى، بقضايا المرأة ومشكلاتها بشكل موسمى، وعلى وجه التحديد خلال شهر مارس (آزار) من كل عام، حيث تتركز أعياد واحتفالات المرأة المصرية، إذ يوافق يوم 8 مارس اليوم العالمى للمرأة ويوافق يوم 16 مارس يوم المرأة المصرية لمناسبة مشاركتها فى ثورة سنة 1919م وخروجها للمظاهرات، ويوافق يوم 21 مارس عيد الأم.

ومن ثم فإنه تكثر فى هذا الشهر الكتابات الخاصة بالمرأة، إلى جانب البرامج الإذاعية والتليفزيونية، والتى تتناول القضايا المختلفة التى تخص المرأة، كما تهتم وسائل الإعلام بتقديم نماذج من السيدات الناجحات فى كافة المجالات.

التقليل من مكانة المرأة وقيمتها
تستخدم وسائل الإعلام فى بعض الأحيان مفردات وكلمات وعناوين تنتقص من مكانة المرأة وقيمتها فى المجتمع، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
تصدير المرأة على أنها وراء الخطأ: "بسبب امرأة: ......". "فتش عن المرأة" وهى المقولة التى ينسبها البعض لنابليون بونابرت.
تشبيه المرأة بالرجل عند مدحها: "امرأة بألف رجل".
تصوير المرأة على أنها شخص متناقض: "على الرغم من المرأة.. إلا أنها..".
إهانة المرأة بشكل مباشر، ومن ذلك بعض الرسوم الكاريكاتورية التى تشبه حالة الاستعمار السياسى أو الاقتصادى من جانب دولة لدولة أخرى "برجل يغتصب امرأة"، أو تشبيه الفساد الأخلاقى لبعض الشباب (الذكور) بشباب فى علاقة آثمة مع فتيات!!

المرأة فى الإعلانات
يتم استخدام المرأة، وفى كثير من الأحيان، بهدف جذب الجمهور للمنتج الذى يتم الإعلان عنه، وبالتالى تحويل الجمهور إلى جماعة من المستهلكين.
ولعل متابعة دقيقة للإعلانات، والتى تُقدم على شاشة التليفزيون خاصة، تُكشف عن أنه يتم استخدام المرأة أحياناً- كثيرة فى الغالب- بصورة فيها الكثير من الابتذال والإثارة وخدش الحياء، من حيث التركيز على جسد الفتاة وشكلها أكثر من التركيز على المنتج الذى يتم الإعلان عنه. وهنا يبدو جسد المرأة وكأنه سلعة للترويج يجذب الانتباه ويحقق الإغراء بين جمهور المتابعين للإعلانات.

توصيات واقتراحات
ثمة مجموعة من التوصيات المقترحة هنا بهدف التأكيد على مواطنة المرأة ومنها:
- توعية الجماعة الإعلامية بمبدأ المواطنة من حيث المفهوم والأبعاد.. الخ.
- التوعية بدور المرأة فى المجتمع والتبصير بقضاياها ومشكلاتها.
- الاهتمام بتدريب الصحفيين والإعلاميين بوجه عام على ما أسميناه "صحافة المواطنة"، أو "إعلام المواطنة"، والذى يعنى لدينا نمطاً خاصاً فى المعالجة الصحفية أو الإعلامية لقضايا المجتمع المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تنطلق بشكل أساسى من مدخل- منظور المواطنة وتستخدم لغة المواطنة ومفرداتها عن استيعاب كامل وفهم واضح لمبدأ المواطنة.

إن صحافة/ إعلام المواطنة بذلك:
- صحافة تُعلى من شأن المواطنة فى معالجاتها الصحفية.
- تستخدم مفردات المواطنة فى خطاباتها الصحفية من حيث تأكيد معانى المساواة والمشاركة فى الحقوق والواجبات وحق اقتسام الموارد بين المواطنين دون تفرقة ودون تمييز.
- ترفض استخدام مفردات الطائفية والتفكيك والتجزىء والتصنيف بأشكاله المتنوعة.
- تعمل على نبذ العنف والتطرف وتؤكد حق الاختلاف، وتنشر كل ما يشجع على ترسيخ معانى التسامح وقبول الآخر المختلف فى الدين أو النوع.. الخ.
- تبتعد عن الافتراضات والتصورات الذهنية المسبقة غير المبنية على معلومات دقيقة.

ومن جهة أخرى فإنها صحافة تؤكد معانى الاندماج والتكامل الوطنى والتعايش السلمى المشترك والتماسك الاجتماعى والمسئولية الاجتماعية والعمل الإيجابى البناء وغيرها من القيم الإيجابية البناءة التى من شأنها بناء المجتمع والنهوض به. وختاماً،

فإذا كانت المرأة مواطنة فاعلة فى الحياة العامة بكافة مجالاتها، مثلها مثل الرجل، شريكة له، ليست أعلى منه وليست دوناً عنه، فإنه على وسائل الإعلام المختلفة، وباعتبارها تقوم بدور مهم ومؤثر فى مجالات التوعية والتثقيف والتنوير، أن تلعب دوراً كبيراً فى التأكيد على كون المرأة مواطنة تتمتع بحقوق المواطنة وواجباتها مثل الرجل، ودون تمييز بينهما.

مراجع مختارة:
- رامى عطا صديق، دليل صحافة المواطنة، القاهرة: مركز رؤية للتنمية والدراسات الإعلامية، 2011م.
- عواطف عبد الرحمن، الصحفيات والإعلاميات العربيات، القاهرة: العربى للنشر والتوزيع، 2008م.
- عواطف عبد الرحمن (بحث جماعى)، المرأة والإعلام: تحديات وإشكاليات، القاهرة: العربى للنشر والتوزيع، 2008م.
- نجوى كامل (الباحث الرئيسى)، الإعلام والمرأة فى الريف والحضر: دراسة تطبيقية على مصر والبحرين.
- http://www.amanjordan.org/aman_studies/wmview.php?ArtID=1261
- http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=45560


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern